لقد كشفت الأزمة عن خلل فادح لدى فريق النظام، في تحقيق الحد الأدنى من التواصل المُجدي مع شريحة كبيرة من المواطنين السوريين. ينسحب هذا التعميم على القنوات الرسمية، وشبه الرسمية والخاصة، بل حتى والشخصية. وقد حاولت هذه القنوات، دون كثير جدوى، التعويض عن فقدانها للحريات، وعن عدم وضوح أدوارها ومسؤولياتها، بضخ كميات كبيرة من المواد الدعائية، أو ما يعرف بالبروباغاندا، مما ساهم في زيادة تأجيج الأزمة.
و لا يخفى أن النظام قد عمل على مدى العقود الماضية على لجم قدرة المفكر والصحافي والمواطن عموماً عن تناول المواضيع التي اعتبرها حساسة مثل السياسات العامة والمسألة الطائفية والإثنية، والفساد والمحسوبية، وغيرها من المسائل الحساسة. واقتصرت وسائل إعلامه خلال نفس الفترة على تقديم صورة براقة عن أداء الدولة والقيادة، بينما اقتصرت استراتيجيتها في مواجهة الأسئلة الصعبة على إهمال وترك أمرها للزمن، وهي استراتيجية إعلامية سقطت سقوطاً مدوياً وثبت فشلها الذريع والمكلف إلى درجة فاقت التصور. وبينما حققت بعض وسائل الإعلام الخاصة، خاصة تلك التي تعتمد الانترنت، بعض التقدم، إلا أنها عانت بشكل كبير من تقييد شديد ومستمر، ومن ضعف مزمن في التمويل، ولم تتح لها الفرصة لتكون بديلاً يرضي المواطن المتعطش للخبر الموثوق.
كانت نتيجة ذلك أنه ومع بداية الأزمة، فإن قنوات إعلامية تابعة لقطر (الجزيرة) والسعودية (العربية) وعشرات القنوات غيرها تابعة لدول عربية وغربية عديدة، قد احتكرت مجال الأخبار وصناعة الرأي بشكل كاد يكون كاملاً. وقد دفعت هذه السيطرة الإعلامية الساحقة بشكل واضح في تشكيل وعي قسري لدى الكثير من المواطنين السوريين، مما دفعهم إلى اتخاذ خطوات على الأرض، بعضها لا يمكن التراجع عنه. كذلك ساهمت عشرات القنوات ذات الطابع الوهابي أو السلفي، والممولة والمشغلة من قبل بعض دول الخليج وبكوادر سعودية أو كويتية أو مصرية أو حتى سورية، في تأجيج الاحتقان والتعصب لدى شرائح عريضة من المجتمع السوري، إضافة إلى الأصوليين العرب، وساهمت بالنتيجة في تأمين دفق مستمر من المتطوعين المعبأين للعمل المسلح ضد ما سوّق لهم على أنه أعداء للدين. هذه الجبهة الإعلامية المدججة بالسلاح الإعلامي الثقيل كانت خالية ومتروكة بالكامل من الطرف السوري.
كذلك ساهم المواطن السوري العادي، باستخدام الفيس بوك (و بصورة أقل تويتر) في زيادة الاحتقان عن طريق قضاء ساعات طويلة يومياً في نشر آراء ومقالات وصور نمطية تعزز الموقف المسبق الذي اتخذه سواءً مع هذا الطرف أو ذاك، مع تخوين الطرف الآخر وتسفيه آراءه. وبهذا ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى في زيادة التخندق لدى جميع الأطراف.
و فيم حاولت القنوات الرسمية وشبه الرسمية السورية في بداية الأزمة أن تستضيف بعض البرامج الحوارية، إلا أن اشتداد الأزمة واستمرار الإعلام التحريضي من الطرف الآخر سرعان ما دفع بالإعلام السوري نحو التمترس وراء اسلوب الإعلام الدعائي (البروباغاندا) الذي يركز على صورة نمطية تمجد كل إنجازات الجيش الوطني وتختزل طيف الجمهور السوري كله في صورة مثالية مساندة للنظام. وقد ساهم هذا أيضاً في زيادة الاحتقان في الشارع السوري والعربي عموماً من الأزمة في سوريا.
ساهمت كل هذه العوامل، وأخرى كثيرة غيرها تدور أيضاً في فلك انعدام الحوار والتواصل، ساهمت في خلق وتعميق استقطاب حاد جداً عصف بالرأي العام السوري بشكل لم يسبق له مثيل. وصار لدينا روايتين متناقضتين بشكل كامل لنفس الأحداث ولنفس الأزمة. ومع تعطل لغة الحوار، تعطلت آلية التعلم، وشلّت كل إمكانية لتفهم دوافع وهواجس الطرف الآخر، مما خلق شعوراً عاماً بانعدام إمكانية الحوار، وضرورة اللجوء إلى العنف المسلح لفرض رؤية كل طرف على الطرف الآخر كحل وحيد متصور للأزمة. ومع امتداد الأزمة واعتماد الإعلام الدعائي بشكل متزايد، سادت الضبابية الكثيفة في المعلومات والأخبار المتداولة، ما دفع بالجمهور- المستقطب والمتوتر أصلاً – إلى اللجوء لبناء تصورات عن الأزمة، لا يمكن وصفها بأكثر من كونها أوهاماً، منها ما يتناول أسباب الأزمة ومنها ما يؤكد قرب الانتصار وقرب الحسم، فوقع الجميع في أتون حلقة مفرغة، عنوانها العنف والسلاح والدم.
إنه لا مجال لكسر هذه الحلقة المميتة حتى تقتنع غالبية السوريين بأنه لا مناص ولا بديل عن الحوار، وأنه لا مفر من محاولة التوصل إلى أرض مشتركة بينهم. وعلى القيادات والشخصيات الأساسية في هذه الأزمة أن تكون مثالاً لجماهيرها، في إبداء قدرتها على الاستماع وعلى الحوار، وعلى الاعتراف بالواقع كما هو، وعلى أن تكف عن التحريض وعن اجترار الفكر الإلغائي الإقصائي.
و إذا كنّا كسوريين، لا نملك أن نمنع الحملات الإعلامية الشرسة التي نعلم جميعاً أنها لا تفعل ما تفعله محبةّ بنا، ولا حرصاً علينا ولا على بلادنا، ولا سعياً نحو حرية أو حقوق أفضل لنا، فإننا نملك ألا يدفعنا الخطاً إلى ارتكاب خطأ مقابل، ونملك ألا تحضنا الجريمة الإعلامية على ارتكاب جريمة إعلامية مقابلة، ونملك أن نتمسك بأخلاقنا وإنسانيتنا مهما بدا ذلك صعباً.
حرية الإعلام هو ضامن للإرتقاء و وقف الفساد و الإفساد و تكوين الرأي العام الآمن من الجوع و الآمن من الخوف .
The press should be free but responsible and because we can not count on the press to be responsible, we need to give the people the chance to take the press to court for damages, that will teach them about foreign policy in the US the administration set the talking points and the media follows and that explain why there is no conflict on what they say about Syria from FOX News to MSNBC right and left wing media outlets,