الفساد

البعض يعتبر أن الفساد ظاهرة منتشرة في سورية، ويذهب آخرون لجعله أحد أهم أسباب الأزمة السورية الحالية، لكن هناك اتفاق لدى غالبية السوريين على أنه من المواضيع التي تحتاج لمعالجة دائمة نظرا لتأثيراته المباشرة على سلامة المجتمع والاقتصاد. وتطرح ظاهرة الفساد موضوعا جوهريا هو تقديم تعريف له، على الأخص أن مثل هذا الأمر متعلق بخبرات الأشخاص وبطبيعة نظرتهم لـ”الفساد”، فالحلول العفوية تنطلق من عدم وجود تحديدات واضحة وفهما للأسباب العميقة لهذه الظاهرة، مما يؤدي لعجز عن إيجاد حلول منهجية للفساد وعدم قدرتنا على قياس نجاحنا بمكافحته. إن أي حل مقترح يجب أن يتعامل مع الأسباب العميقة للفساد ومعرفة أن كل حل سيكون له تكاليف اقتصادية واجتماعية، ويفترض أيضا إداراة للتوقعات المرتبطة بقياس أساليب مكافحة الفساد لتقييم مدى النجاح في هذا الموضوع، وهو أمر يعتمد على إعلام حر ومسؤول، وعلى الأشخاص المنخرطين في أهداف هذه العملية، إضافة للأطراف الحكومية التي تتعامل مع هذا الموضوع على الأخص السلطة القضائية.

كلمة “الثقة” غالبا ما تظهر مباشرة أو بشكل ضمني عند مناقشة الفساد. ومن الأمثلة على انعدام الثقة عدم قدرة الحكومة على حل مشاكل المواطن، وعجزها عن تحقيق الالتزامات المترتبة عليها، وإساءة استخدام السلطات، والاستفادة من السلطة، المراكز، الرشاوى، منح بعض الأفراد / الشركات كل العطاءات والمناقصات الخاصة بالدولة، الفساد بالجهاز القضائي وامكانية شراء القضاة، والقائمة تطول.

عندما يتعلق الأمر بخصوصية الفساد في سوريا، البعض يرى أنها مسألة متجذرة في الدستور وطريقة إدارة الأصول العامة. ويعتقدون أنه لا بد من كسر احتكار الحكومة لموارد الدولة على جميع الاصعدة كي نستطيع البدء بتفكيك منظومة الفساد.

هناك اتجاه آخر في رؤية الفساد وانعدام الثقة في الحكومة، حيث يرى أصحابه أن هناك عودة لبعض الشرائح الاجتماعية بانتماءاتهم إلى (االعشيرة، القبيلة، الطائفة، المنطقة او العشيرة أو غيرها) أي الى عقلية ما قبل الدولة، والاتجاه نحو تدمير مؤسساتها التي لم تعد لهم.

ثمة رأي مخالف، يعتبر أصحابه أن العديد من الاقتصادات الناشئة (والديمقراطيات) تعاني من الفساد (مثل الهند وروسيا والمكسيك)، لكن مستوياته لم تسفر عن ثورات واسعة، فحتى كندا، على الرغم من جهودها في هذا المجال، كان لها نصيبها من قضايا الفساد. “وليس هناك بلد خال من الفساد تماما ” وفقا لصفحة الويب للشؤون الخارجية والتجارة الدولية الكندية. وهناك وجهات نظر أخرى ترى أن “حركات احتلوا” (احتلوا وول ستريت كمثال) حدثت كتعبير رمزي ومحدود لعدم وجود الثقة في الإداراة الحكومية وقطاع الأعمال الخاصة، وآليات الحوكمة التي يتبعانها.

يعتقد البعض أن اتخاذ موقف قوي وجدي من الفساد سيكون له تأثير إيجابي على كيفية إدراك المواطنين للدولة والثقة بها. ففي الماضي لم يكن هناك سوى القليل من عمليات المحاسبة للفاسدين، والسوريون بحاجة إلى إعادة هيكلة للبنية الحكومة عبر فصل السلطات وتطبيق معايير المساءلة والحوكمة (في القطاعين العام والخاص) بدلا من كونها مجرد موضوع للنقاش، لأن جدية قضية الفساد تتطلب تقييما قانونيا لما هو موجود بالفعل ثم تحديد ما يلزم اتخاذه من تدابير إضافية.

لزيادة الحوار والدخول في عمق هذا الموضوع يحتاج المرء لتعريف “الفساد” من وجهة نظر “جرائم الفساد” (على غرار ماتقوم به OECD ) وتقديم الحلول المحتملة. كما تستحق وثيقة الشفافية الدولية القراءة والمعنونة بـ”مؤشر الفساد العالمي” التي توضح مغالطة ربط النجاح في محاربة الفساد مع عملية الدخول في الديمقراطية في الدول التي كانت تعاني من الاستبداد. على سبيل المثال في تقرير عام 2011 كانت سورية في المرتبة (129) من بين 182 دولة فهي حققت نجاحا في محاربته قياسا لدول مصنفة ديمقراطية مثل لبنان (134) والعراق (175)، وأفغانستان (180). ومع ذلك، فإن قياس مسألة الفساد يعتبر هاما لتحديد التقدم نحو الهدف.

هل نستخدم نتائج الشفافية لعام 2011 كأساس لتحسين الأداء أو نبدأ بإيجاد قواعدنا الخاصة من أجل سورية؟ ما هي أكثر المواضيع التي تهم السوريين عندما يتم التعرض للفساد؟ إن مكافحة الفساد عملية طويلة وهي بالتأكيد تحمل تكاليف اجتماعية واقتصادية وتتطلب تعاونا من كافة أفراد المجتمع. وإدارة الاحتمالات غير المتوقعة في عمليات الإصلاح لمسألة الفساد تعتبر أمرا ضروريا لضمان إصلاح حقيقي ولتفادي خيبات الأمل والحفاظ على الدعم الشعبي لجهود مكافحة الفساد.

9
1
Thank you for your feedback

تعليقات

  1. علي سليمان

    الفساد و الإفساد هما السبب الرئيس في الوصول الى سورية على حافة الهاوية , ايها السوريين ألا يكفي ما حصل لنعلم علم اليقين أن البلدان لا تبنى بالنوايا . البلدان يا أصدقائي تبنى بالعلم و الإدارة و القانون و الرقابة على المال العام . للأسف حاميها كان حراميها و هذه حقيقة عرفت للغادي و الداني . و للعلم كل المفسدين و الفاسدين الآن أمنوا أموالهم في الخارج أو بالدولار و كذلك الفقير أمن على عياله و ذهب ليقاتل المجاهدين لدين الله من الفقراء المؤمنين أنهم سيجاهدون ليصعدوا الى السماء آه ما أعدلك يا ظلم و ما أبشعك يافقر . أعرف كثيرين أعمارهم لا تتجاوز الأربعين تجاوز دخلهم الدخل القومي السوري .(فسسسسسسسسسسسسسسسسسساد)

  2. شعبان أحمدسليمان

    الفساد هو نتاج ضعف السلطة في تحصين المواطن ماديا و معنويا ..أو فشلها في تنفيذ حمايته تشريعياً و قضائياً..بالاضافة إلى ضعف التشريعات المالية بكافة انواعها …و خلل في العلاقة الاقتصادية مع البلدان الاخرى
    – الإفساد عامل خارجي المصدر (راسمال خارجي قذر ) وهو مصدر العدوى الاولية
    – المفسد ناقل العدوى ( راسمال قذر دخل البلد ) وهو مصدر العدوى الثانوية التي تتكرر بطريقة إسية
    – الفاسد هو الضحية
    – تحصين المواطن هو الحل و بناء اجيال محصنة

  3. Naim Nazha

    We do not need to install morality in the people, we need to reward for good work with livable wage and ask them not to be bribed, we can not ask the poor employee that has a family to feed to stay away from bribes without giving good wage so we can solve that by giving the government employees good wages and the prosecute the ones who take bribes and to know these people we need to have a hot line for people to call and complain then leave to the local police to have an undercover work to find these offenders and prosecute them, about the high level corruption , we need to stop no bids contracts and insist on bidding with a committee of 11 people that open the bids and give the contracts to the best priced and able company with priority to Syrian owned,to build Syrian wealth so they can take contracts in other countries and bring hard currency,the result will be announced in the media with time to challenge from the others bidders.

  4. حازم عبد الحق

    الفساد في سوريا هو نتيجة اقتناع السلطة في سوريا بأنه شر لا مفر منه و لا يمكن القضاء عليه. و هذا ما أدى لزيادة انتشار الفساد بنوعيه المشجع من الدولة و الخفي عن الدولة. و بالنتيجة فإن الفاسدين هم بأغلبهم أناس مستعدون لبيع وطنهم من أجل جيوبهم.
    فاختفت المحاسبة للمسؤولين و كان و لا زال أقصى ما يحصل عليه المسؤول هو تغيير موقعه أو ازالته من الكرسي.
    حتى أن عنصر مخابرات مرة قال لي : نحن نسمح لمن يريد أي يغنتني؟
    وجود المحاسبة و لحد مقبول يعزز الشعور بالمواطنة و يقلل من الفساد.
    اعتبار ما يحدث في سوريا هو بسبب الفساد فقط لا يبعدنا عن الحقيقة مع أن كل بلاد العالم لديها من الفساد ما يكفيها.

  5. Ali A

    الفساد .. برأيي الخاص هو ناتج عن حالة من انعدام الرقابة … الموضوع يتشعب هنا .. فالبعض لن ينجرف مع الفساد لإيمانة بالوازع الاخلاقي و هذا نوع من الرقابة النفسية .. و البعض لن ينجرف بسبب الوازع الديني .. و المثالين السابقين يعتبران حالة نبيلة من حالات الردع الذاتي للفساد .. و لكن الحالة الأسوأ هي عندما يستشري الفساد لأن موظفي السلطة لا يعتمدون او لا يهابون الا الوازع الادراي او التنفيذي او العقوبات .. و من هذا المنطلق ارى ان الفساد حالة نابعة من الشخص قبل محيطه مهما كانت الظروف .. حتى في عز الأزمة الحالية هناك الكثير من الموظفين ممن لم يتنازلو … و في المقابل هناك الكثير ممن استغلو غياب الرقابة و اليد الحديدية و عاثو فسادا !! انا اعتقد ان القضاء على الفساد يبدأ عندما نهيىء الظروف لنمية مواطن واع من ثم تدريب موظف مؤهل و كفؤ بطرق تعليمية متناغمة مع عصرنا الحالي .

  6. سوسن أحمد

    الفساد هو أس الخراب بكل ماتحمل اكلمة من معنى ….قد يبدأ الفساد من الحاجة وقلة ذات اليد …وينتهي بالطمع والجشع …على أن الفساد المخرب الأكبر هو مايبدأ به المكتفي وصاحب المال والنفوذ والمنصب …هذا الوجه للفساد هو الوجه الأكثر تخريبا وتدميرا للبلاد والمواطنين …
    في بلادنا كثرت الرشوة والمحسوبيات ووضع الأيدي على المصالح العامة بما يضيق على المواطن سبل العيش الكريم …كثرت السرقة …وهذا كله مقتطع بشكل أوب آخر من لقمة المواطن …
    نستطيع لبدء والاستفادة من نتائج 2011 …مضافا إليها نتائج دراسات عن وضع سوريا الحالي من أجل معالجة تستوفي كل المراحل …
    علينا البدء بطفاية المواطن بما يؤمن العيش الكريم …وفتح سبل لمن أراد أن يقوم بمشاريع مهما كانت صغيرة …دون إرهاقه بالضرائب التي تجعله يغض النظر عما أراد فعله وقد يكون فيه تشغيل أيدي عاملة …ودون وضع وصاية عليه من المتنفذين أو ممن سبق لهم القيام بمثل هذه المشاريع ربما على نطاق أوسع ليستأثروا هم بالنفع المطلق منه …
    علينا إلغاء المحسوبيات والتنفذ وحكم المناصب في الوظائف والقضاء ….وتطبيق القانون والنظام …
    شكر المخلصين والثناء عليهم ولوم المفسدين ومعاقبتهم بما ينص عليه القانون
    والأهم من هذا كله استقلال القضاء وإطلاق يده الصادقة الشريفة
    مع هذا كله …الرقابة …الرقابة …الرقابة …

شارك برأيك

يسرنا قراءة إضافاتكم، لكن مع التنويه أن النشر على الموقع سيقتصر على المشاركات البناءة و النوعية، و لا نضمن أن يتم إدراج كل المشاركات