اشكالية العملية السياسية

بانتظار بيئة سياسية جديدة هي خلاصة ما يقارب العامين من الأزمة السورية التي بدأت بحراك اجتماعي وانتهت بصراع مسلح عنيف، فالبحث عن السياسة وسط تطورات الوضع الميداني يشكل نقطة الارتكاز لمرحلة ما بعد الأزمة، أو حتى لآليات الخروج منها، فالتطورات أوضحت جملة من الاتجاهات التي طفت على سطح الحياة السياسية حيث نجد:

  • القلق الأساسي ناجم عن طبيعة الأزمة وازدياد التطرف، فهناك خوف من أن يؤدي هذا الأمر إلى تقلص مساحة الحياة السياسية، وهو ما يحدث بالفعل، وعلى جانب آخر هناك مخاوف من التجارب التي ظهرت في المحيط الإقليمي مثل العراق وليبيا واليمن، التي تجسدت بفرض حالة تغيير سياسي بالقوة المسلحة وبالضغوط المتنوعة.
  • عدم وضوح الرؤية للغد السياسي لأن الطرفين المتنازعين يؤكدان حتمية انتصارهما .. ولكل طرف امكاناته على الارض بشكل مرئي وحلفائه الأقوياء. فهناك قسم من السوريين لا يستطيع معرفة المستقبل السياسي للبلاد بسبب الشد الاعلامي المحكم في هذه النقطة.
  • في اتجاه آخر هناك قلق من عملية الانتقال السياسي، على الأخص إذا بقيت معلقة ومتروكة لأن يخطفها أي طرف من الأطراف مستقبلا. فسوريا بحاجة الى صيغة للحل في المدى القصير وصيغة للحكم على المدى الطويل تضمن توازنا بين الافرقاء، إضافة لإعادة رسم أدوار المؤسسات التي تميزت تاريخيا بمساحة قوية داخل القرار السياسي وعلى الأخص الجيش.
  • إن شكل العملية الانتقالية قد لا يعجب كل الأطراف ولكن في النهاية فإن أياً من الأطراف لا يمكنه فرض رأيه بالقوة ولابد من مخرج يتم التفاوض عليه. فالشكل السياسي يجب أن يكون توافقي بضمانات دولية وليس دولياً بضمانات محلية. هذا يعني أننا يجب أن ندرس التسلسل الأنسب للعملية الإنتقالية السياسية لضمان أفضل تحول للديمقراطية وليس أفضل طريقة للتحول لتمكين المنتصر عسكرياً من تبرير استبداده المستقبلي.
  • العملية الانتقالية بذاتها تحتاج وفق بعض اتجاهات السوريين إلى النظر إلى النظام السياسي، فـ”النظام يضع الحدود للأفراد” ليضمن سلامة المجتمع من “الشطط الفردي” وبالتالي فإن التظلمات الفردية لا تشكل معيار تحديد مستوى سوء النظام أو جودته. من هنا يجب النظر إلى النظام السياسي من خلال الجهاز القضائي ومستوى تحقيقه للمصلحة العامة والوطنية، ومن هنا فإن علاقة تلك المصلحة مع المواطنة أمر حساس وهناك ضرورة لتعريف دقيق للمواطنة، ففي الدولة القومية فإن الحقوق الفردية يجب ألا تتنافى مع المصلحة الوطنية العليا.لكن التشدد بشأن المصلحة العامة يواجهه هواجس حول مسألة الحريات فبعض الاتجاهات تذهب نحو الحاجة الى فصل مفهوم الحريات الفردية عن الصراعات السياسة بحيث لا تهدد تلك المفاهيم في كل استحقاق سياسي من تداول للسلطة او انتخابات.
  • بعض الاتجاهات تذهب نحو “الدولة المرنة” وذلك في مقابل “الدولة المركزية – الشمولية” التي سادت خلال العقود السابقة، فباستطاعة “الدولة المرنة” استيعاب التنوع الأثني والديني والمذهبي داخل سورية. فهي ستكون أقرب إلى “الفيدرالية”، لكن هذا الطرح تتم مجابهته بضرورة اللامركزية وليس الفيدرالية بحيث تعطى كل منطقة حقوق إدارة أمورها ضمن معايير وأسس متفق عليها وطنياً.ويعتبر هذا الاتجاه أن قانون الإدارة المحلية من أهم دعائم الديمقراطية إذا تم تنظيمه بطريقة جيدة.
  • رغم حجم وتعقيدات الملف السياسي السوري لم تظهر تيارات سياسية جديدة بالمعنى الموضوعي، فالتعددية السياسية التي تشكل مطلبا أساسيا منذ بداية الأزمة اتخذت شكلا لا يتوافق مع حيوية الواقع السوري، وبقيت في إطار التكوين السياسي القديم.
  • بعض التوجهات ترى سورية المستقبل عبر دولة مدنية ديمقراطية تتجاوز النمط الديني والنمط الطائفي، فهي نقيض للدولة الثيولوجية، ويظهر فيها فصل السلطات بشكل واضح ومبدأ التدوال السلمي للسلطة، ورغم أن هذه الرؤية تغلب على ما يسمى اصطلاحا “معارضة الداخل” لكن تفاصيل الدولة المدنية تبقى معلقة بانتظار البرامج السياسية والحوار بين كافة الأطراف.
  • في المقابل فإن جانبا لا بأس به من المعارضة السياسية حملت النظام السياسي المسؤولية عن كافة تداعيات الأزمة معتبرة أنه جزء منها، وأن معظم التطورات مرتبطة بمواقفه وإجراءاته، فيما ترى بعض الأطراف وعلى الأخص تلك التي تحاول لعب أدوار سياسية وسيطة بين طرفي الصراع أن هذا الطرح هو مبرر لعدم تقديم المعارضة لرؤية واضحة، فالعديد من أطرافها ظهرت وفق نسق من المطالب ولكن دون منهج فكري واضح وبقيت ممارساتها نخبوية لعدم امتلاكها عمقا شعبيا، وهو ما يرجعه البعض لممارسات النظام طوال أكثر من أربعة عقود، أما المعارضة في الخارج السوري فخضعت للضغوط الخارجية وشكلت، وفق رؤية البعض، أداة لاستراتيجيات دولية تستهدف سورية.

2
1
Thank you for your feedback

تعليقات

  1. علي سليمان

    أرى أن سوريا المستقبل عبر دولة مدنية ديمقراطية , مع فصل السلطات , دولة المواطنة و القانون (لتجتمع كل القوى السياسية و التي تؤمن بالرأي الآخر للإتفاق على شكل الدولة و الثوابت و اقتراح دستور جديد لا يتدخل في دين الرئيس و التأكيد على التحرير للأرض السورية ) و الإتفاق على عقد اجتماعي أن لا إقصاء في سوريانا لأحد .و إطلاق عملية الإعلام الحر و التأكيد على أهميتها في فضح ما لا يوافق الشعب السوري
    مع العلم أنني أحمل الحكومات السابقة مسؤولية تردي الواقع السياسي لكل القوى العلمانية التي كانت تعمل من أجل خلق رأي عام قادر على البناء و صحرت كل فكر ابداعي على كل الصعد سياسيا و اقتصاديا و اجتماعياً لذلك لا بديل عن نظام ديمقراطي مدني تنتظم كل القوى السياسية في عملية التموضع الحالي و بدونها لا أمل من الخروج إلا إلى أزمات أكبر يلعبها الإسلام السياسي اليد الطولى لقوى الستغلال الإقتصادي للأزمة السورية

  2. Naim Nazha

    Use the American System or the Swiss one, that allows for people to take care of their own lives

شارك برأيك

يسرنا قراءة إضافاتكم، لكن مع التنويه أن النشر على الموقع سيقتصر على المشاركات البناءة و النوعية، و لا نضمن أن يتم إدراج كل المشاركات