News and Opinion:
أيام صعبة في الأزمة السورية… بسبب إيران

أراد الرئيس السوري بشار الأسد لخطابه الأخير أن يكون رسالة حزم أمني وانفتاح سياسي. وأراده أيضا تعبيرا عن قوة النظام في وجه الرياح العاتية التي تعصف به من كل حدب وصوب. تزامن ذلك مع تفاقم التهديدات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة، ومع تجاذبات لافتة حول المراقبين العرب. ووصل المشهد إلى نقطة خطيرة مع مقتل الزميل الفرنسي جيل جاكييه الذي سقط شهيد جرأته الصحافية الجديرة باحترام كبير.
لم يأخذ الغرب من خطاب الأسد سوى جانبه الأمني. كذلك فعلت المعارضة السورية والدول العربية والإسلامية الداعمة لها. ارتفعت اللهجة القائلة بانسداد الأفق السياسي وعقم تجربة المراقبة العربية للأوضاع في سوريا. ازدادت الدعوات لسحب المراقبين. وهم على الأرجح سيُسحبون عاجلا أم آجلا لأن المطلوب في الأسابيع المقبلة زيادة الضغط لإعادة فتح الملف السوري في مجلس الأمن الدولي. مرفوض عربيا ودوليا أن يشعر النظام باستعادة زمام المبادرة.
كانت واشنطن وفرنسا في طليعة من شجب خطاب الأسد. تبعها بعض العرب. تخلل ذلك لقاءان منفصلان جمعا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مع رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جبر آل ثاني ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل. استكمل المشهد بلقاءات هي الأولى من نوعها علنا بين وليم بيرنز الرجل الثاني في وزارة الخارجية الأميركية وجماعة الإخوان المسلمين في مصر. كان جيفري فيلتمان، كبير مستشاري وزيرة الخارجية الأميركية، قد مهد لها قبل فترة وقيل إن لهذه الزيارات أهدافا عديدة، ولكن أبرزها إيران وسوريا ومستقبل العلاقة مع إسرائيل وأميركا.
حديث الأسد عن الحكومة قبل الانتخابات وعن دعوته مختلف الأطراف للمشاركة فيها لم يلق أي صدى ايجابي عند الدول المطالبة منذ فترة بإسقاطه. لكن الرئيس السوري قدم بذلك ورقة إضافية لحلفائه الروس، وقدم الأمر على انه احد أبرز التطبيقات الفعلية لمشروع الإصلاح. أريد للكلام عن الحكومة والانتخابات أن يقطع الطريق على من يلوم الأسد على انه كثير الوعود قليل التنفيذ. ومع ذلك فان الآذان بقيت صماء وتم تسليط الأضواء مجددا على الخيار الأمني.
الخيار الأمني مستمر، والأسد لم ينف ذلك بل عززه. لكن الرئيس السوري سعى لرمي الكرة السياسية والإصلاحية في ملعب المعارضة، ذلك أن رفضها التجاوب مع دعوته يعني أن المعارضة هي التي لا تريد الحوار. لم يكتف الأسد بذلك. قرر حماية خياراته بسند شعبي. قفز فوق كل النصائح الأمنية ونزل مع زوجته وأولاده إلى ساحة الأمويين.
كان الأسد يقول لمناصريه في ساحة الأمويين «سننتصر .. وإنهم في مرحلتهم الأخـــيرة من المؤامرة وسنجعلها نهاية لهم ولمخططاتهم». فهم مناصــروه الكلام على انه مصدر قوة، وقالت عنه المعارضة انه عـــنوان ضعف. لكن ليس كل ذلك مهما، الأهم أن كلام الأســـد جاء فيما كانت المياه الإقليمــية من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط تغلي بتحــركات عســكرية بحــرية أميركــية وروسية.
غليان البحار رافق ارتفاعا كبيرا في حرارة اللهجة الإيرانية. هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز. كشفت عن استمرار وتفعيل عمليات التخصيب النووي. قابل ذلك ازدياد الكلام عن إرسال قوات أميركية إلى المنطقة وإسرائيل.
يوحي كل هذا المشهد، بان الأزمة وصلت إلى ذروتها، لم يبق إلا الانفجار أو الصفقة. كلا الاحتمالين وارد. لا يوازي القلق من الانفجار سوى الخطوات المتلاحقة للتهدئة. تتصدر روسيا قائمة الكابحين للتفجير. رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين يصل إلى حد التوعد بالرد على أي عمل من طرف واحد يقوم به الغرب. يريد لكلامه كبح جماح الاندفاع صوب التصعيد والذي تغذيه إسرائيل علانية أو تحت الطاولات. تتكرر التحذيرات الروسية حيال أي عمل عسكري في المنطقة. تسحب موسكو البساط من تحت أقدام الغربيين بقولها إنها لا ترى أي دليل على تطوير إيران قنبلة نووية. يتذكر السامعون تلفيقات الإدارة الأميركية حين كانت تتحدث عن اسلحة دمار شامل عند الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
تحوم حول تركيا كافة الإغراءات. يدعو الاتحاد الأوروبي وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو للانضمام إلى لقاءاته حيال إيران وسوريا. تحاول إيران قطع الطريق فتكثف اللقاءات والاتصالات مع أنقرة، رغم صعوبة المحادثات بينهما بشأن سوريا. تستشعر قطر اقتراب الخطر ويحق لها أن تكون أبرز القلقين في حال تعرضت إيران لعمل عسكري، فهي في فوهة المدفع الإيراني. يقول رئيس الوزراء القطري من واشنطن بضرورة تخفيف التأزم في الخليج. تريد الدوحة أن تتحول إلى وسيط من نوع خاص بين طهران وواشنطن، ولكنها لا تستبعد أي احتمال لوضع أسوأ.
في أوج هذا التأزم يُقتل الصحافي الفرنسي جيل جاكييه في حمص. الزميل الأربعيني العمر والأب الحديث لطفلتين تميز بشجاعة لافتة في كل مساره الصحافي. وضع روحه على كفه مرارا من كوسوفو إلى أفغانستان وليبيا واليمن وصولا إلى سوريا. سيكون مقتله نقطة مفصلية في الأزمة السورية، ودمه مرشح لأن يتحول إلى قميص عثمان. من الصعب السماح للسلطة السورية بتحميل المسؤولية للمسلحين. سترتفع الأصوات القائلة بان النظام هو مدبر القتل. أما إذا تحول مجرى الرياح وصار لا بد من تهدئة فيمكن تحميل المسؤولية لاحقا لمسلحين مجهولي الهوية.
هب العالم اجمع مستنكرا مقتل الزميل الفرنسي. سارعت واشنطن والاتحاد الأوروبي وفرنسا لمطالبة السلطات بكشف الملابسات. لكن اللافت أن أحدا من هذا العالم لم يستنكر في اليوم نفسه اغتيال عالم نووي إيراني. اكتفت واشنطن بإعلان البراءة من دم العالم الشاب. أدركت أن اتهام إيران لها ولإسرائيل يعني تحميلها جزءا كبيرا من المسؤولية التي قد يترتب عليها رد إيراني. تستطيع طهران أن ترد بسهولة على واشنطن لكنها تتريث للرد على إسرائيل، وهي على الأرجح سترد في مكان وزمان يناسبانها، ولعل لدى «حزب الله» كثيرا من الخطط لعمليات ينفذها حين يحين موعدها على غرار ما اعتاد سابقا رغم تغير الظروف في محيطه.
كل هذا التلبد في غيوم المنطقة يجري وسط ارتفاع حرارة التنافس الانتخابي في الولايات المتحدة. تثار مجددا قضايا هزيمة أميركا في العراق. يعاد فتح ملف معتقل غوانتانامو الذي وعد الرئيس الأميركي باراك أوباما بإقفاله ولم يف بالوعود بعد. تدخل قطر على خط التسوية الأميركية مع حركة طالبان، تتقدم الوساطة القطرية خطوة وتتعثر خطوات ولم يعرف مآلها النهائي حتى الساعة. وفي فرنسا ترتفع لهجة الاتهامات الحزبية للرئيس نيكولا ساركوزي في حمأة الاستعداد للانتخابات المقبلة وذلك فيما يجاهد الغرب لحل أزمة ديونه.
بعد عشرة أشهر على الأزمة السورية يريد الأسد أن يقول انه قادر على التلويح بالعصي الأمنية الغليظة بيد، والتلويح بحل سياسي بيد أخرى شرط أن يكون الحل بإشرافه ورعايته. لكن المعارضة ومعها دول كثيرة تريد إسقاطه حتى ولو اختلفت أهداف هذه الإرادة. لم تنفع محاولاته للانفتاح السياسي في إقناع المعارضة بالحوار حتى ولو انه فتح الباب هذه المرة للجميع.
بات إسقاط الأسد جزءا من الحرب الإقليمية والدولية الأوسع. صار الربط بين دمشق وطهران و«حزب الله» أوثق من أي وقت مضى في حرب المحورين في المنطقة. لابد من انفجار أو صفقة. المنطقة تغلي. إدارة الأزمات تبدو عقيمة وهي خطيرة على الجميع. كل شيء مرهون بمستقبل الملف الإيراني. من غير المنتظر إذا أي حل أو انفراج في الأزمة السورية قبل وضوح الرؤيا في الملف النووي. هنا بالضبط تكمن كل الخطورة، ولكن أيضا قد يكمن الأمل بالانفراج. الوقت الراهن يوحي بالخطورة أكثر من الانفراج. التجارب الإيرانية السابقة مع الانتخابات الأميركية توحي بان ثمة أشياء كثيرة تجري تحت الطاولات. إيران المحاصرة ما تزال قادرة على رفع سعر النفط بمجرد التهديد بإغلاق مضيق هرمز، وقادرة أيضا على إثارة الهلع عند الناخب الأميركي والتأثير سلبا على أوباما، لكنها لم تســقط حتى الآن في فخ جرها إلى الحرب. تدرك أن المبادر إلى الحرب المقبلة سيكون خاسرا. من جانبه يدرك ســـيد البيت الأبيض أن أي خطوة ناقصة قد تطــيح بكل آماله للعــودة إلى مكتبه البيضاوي. ولكن إسرائيل تكثف الضغوط لوضع حد للبرنامج الإيراني والقضاء على «حزب الله» وتصب نظرية وزير دفاعها إيهود باراك بان ذلك يتحقق عبر إسقاط نظام الأسد، خصوصا بعد أن انتزع الأميركيون من «إخوان» مصر قــرارا بالحفاظ على المعاهدات لفترة طويلة. فكيف للأزمة الســـورية أن تنتظر حلا قريبا؟ التصعيد سيبقى سيد الموقــف لفترة غير قصيرة وسوف يزداد. لا الحرب سهلة ولا الصفقة جاهزة، وكل طرف سيزداد شراسة.
سامي كليب


Comments (0)


There are no comments for this post so far.

Post a comment