بشار الأسد الحقيقي

لقد ارتكزت دعائم أساسية لقضية “الثورة” ضد نظام الرئيس بشار الأسد على افتراضات قُدمت من خلال قنوات مختلفة، و هي أنه لا يتمتع بدعم ذي قيمة من الشعب السوري، و أنه – و على العكس من بقية قادة المجتمع الدولي – لا يتحلى بالقيم الأخلاقية العالية، و أنه في أحسن الأحوال، لا يصلح أو لا يقدر على مهمة قيادة سوريا.

إلا أن العديد من الصحافيين الذين زاروا سوريا يعترفون بأن الأسد لا يزال يحظى بدعم شعبي مهم، و إن كانت التقييمات لشخصه و لأدائه تتميز بالاستقطاب الحاد، باتجاه التأييد أو الرفض. في تقديرات البعض، فإن الأسد يبدو حائزاً على الاحترام الدولي، ذا شخصية ساحرة، جذاب، مدهش، عالي المهارة، منتصر، و بشكل عام ذا شعبية طاغية و ممسك بزمام الأمور بشكل محكم. أما في تقديرات آخرين، فإن الأسد يبدو ضعيفاً، على وشك الانهيار، يعيش في الوهم، مكروهاً بشكل عارم، “شرير و معتوه“، بل و حتى، يماثل هتلر في مستوى الشر لديه.

هناك غزارة عالية في المادة الإعلامية المتعلقة ببشار الأسد. البحث عن كلمة “Bashar al Assad” في محرك البحث غوغل يعطي عشرات الملايين من النتائج؛ أكثر من نتائج البحث عن حسني مبارك، أو الملك السعودي عبد الله، أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

إن دلت هذه الغزارة الإعلامية على شيء، فإتها تدل على الأهمية الكبيرة التي يوليها العالم للأزمة في سوريا. يقول بان كي مون، الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة “علينا جميعاً مسؤولية العمل للوصول إلى حل لهذه الأزمة الحادة و الخطرة جداً، و التي يمكن أن يكون لها تداعيات ضخمة على الإقليم و العالم.” 

إن الأزمة في سوريا هي من الخطورة بمكان، بحيث يمكن أن تتفاقم بسرعة لتصل إلى حروب أهلية داخل سوريا نفسها، و في عدد من الدول المحيطة بها، أو أن تشعل حرباً إقليمية واسعة بين التحالفات السنية و الشيعية، أو يمكن حتى أن تعيد العالم إلى عهد الحرب الباردة، و كل واحد من هذه الاحتمالات السيئة يمكنه أن يسبب أذىً كبيراً للاقتصاد العالمي.

لكن بمعزل عن الصورة الملائكية التي يرفعها بعض الهائمين به، و بمعزل أيضاً عن تشويه صورته من قبل المنتقدين الغاضبين، فإن الشخص الحقيقي لبشار الأسد، سيكون بالضرورة أحد أهم المؤثرين في مسار هذه الأزمة و في مآلها. و علينا إن نحن أردنا فعلاً أن نفهم هذه الأزمة بشكل أفضل، أن نجري تقييماً جديداً، هادئاً و عادلاً، للرئيس السوري.

ما مدى شعبيته؟
من المستحيل التوصل إلى أية أرقام دقيقة و تمثيلية حول شعبية الرئيس، أو حول روافد الدعم الحقيقية التي يتمتع بها. حتى الآن, معظم المراقبين لا يتورعون عن مشاركة تخميناتهم الشخصية. ريك روبرسون من CNN يقول أن “الأسد لا يزال يحظى بدعم 20٪ إلى 30٪ من عدد السكان … وهم ما زالوا يؤمنون برسالته أنه يقاتل الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل مؤامرة وسائل الإعلام الدولية.” فواز جرجس، مدير مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد يقول “اعتقد انه لديه مالا يقل عن 30 في المئة من التأييد الصلب … نفوذه لا يزال قوياً بين أعضاء الطائفة العلوية ،و في كثير من الحالات بسبب الخوف من الانتقام على يد المعارضة السنية إذا أطيح بنظام الأسد” . ثم هناك الطرفان المتناقضان: وسائل الإعلام المملوكة من قبل الدولة السورية والتي توحي بأن الغالبية العظمى من الشعب السوري تدعم الرئيس, ومؤيدي تغيير النظام في سوريا وخارجها، الذين يعتقدون أن “الشعب السوري” كله يثور ضد الأسد.

لن أقدم أرقاما محددة عن شعبية الرئيس،و بدلاً من ذلك، سوف أطلعكم على معلومات، أو تقديرات التي يمكن أن تساعد على قياس مدى شعبية الرئيس بشكل أفضل.

أولا، سيتم فحص أداء الرئيس خلال السنوات الـ 11 الماضية. إن إدراك الأداء الوظيفي للزعماء غالباً ما يكون مؤشراً جيداً لشعبيته. بعد ذلك, سيتم عرض نتائج عدد من استطلاعات الرأي الكبيرة على الانترنت ، إلى جانب محدوديتها. وأخيراً، إعادة النظر في حجم المظاهرات المناهضة والموالية للنظام ضرورية لأن معظم الأرقام كانت مضخمة إلى حد كبير، من كلا الجانبين، سواء من قبل وسائل الإعلام أو الجهات المعنية بالأزمة في سورية.

1- تقييم أدائه في بعض القضايا الرئيسية
أولاً من الضروري التذكير بكيفية النظر إلى الرئيس الأسد قبل بدء الاحتجاجات بوقت قصير لأننا نشهد فترة أخرى من التضليل الإعلامي الهائل من قبل المتخصصين في العلاقات العامة بوضعهم خططا مفصلة لخلق صورة سلبية عن الرئيس السوري. من الطبيعي التدقيق في جوانب معينة من تعامل الرئيس مع الأزمة ، ولكن المعارضة السورية ومؤيديهم في وسائل الإعلام الرئيسية يصورون الأسد على أنه هتلر مكروه يتمتع باغتصاب الأطفال، أو كشخصية خارج السياق تماماً لا تستحق قيادة سوريا.

لقد تباين الرضا عن أدائه. الأسد يستحق علامة متدنية لفشله في مكافحة الفساد وإسناد أولوية منخفضة لإصلاح النظام السياسي الاستبدادي في سوريا الذي ورثه منذ سنوات. و حقق نتائج متباينة بشأن الاقتصاد. استفادت المدن الكبرى ، وكذلك الطبقة الوسطى، لكن المناطق الريفية عانت كثيراً. فالأسد نجح في جعل سوريا مكانا أكثر بهجة للعيش أو الزيارة مقارنة مع السنوات الماضية عندما كان والده يحكم بقبضة من حديد. ومع ذلك، حرية التعبير، لا تزال محدودة بالنسبة لأولئك الذين حاولوا الطعن في شرعية النظام.

بقيت سورية واحة من الاستقرار في وقت كانت فيه الدول المجاورة لسوريا مثل لبنان والعراق تمر بصعوبات خطيرة. احتلت المرأة السورية مناصب رفيعة في الحكومة وأصبحن أكثر أمنا وأكثر تحررا من نظرائهن في معظم الدول العربية. الأقليات السورية، بالإضافة إلى العديد من السنة العلمانيين، تمتعوا أيضا بالحريات التي كانت تتناقص في غيرها من البلدان العربية العلمانية سابقاً، مثل العراق ومصر. وأخيراً، تعتبر سياسات سوريا الإقليمية والخارجية نجاحاً ليس فقط بين السوريين ، ولكن بين كثير من العرب. وضع عدد من استطلاعات الرأي الأسد بوصفه الزعيم العربي الأكثر شعبية. في عام 2009, فاز الأسد بإستطلاع “شخصية العام” ل CNNعربي بفوزه على رئيس الوزراء التركي رجب اردوغان بفارق كبير. في عام 2010، تم اختيار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان شخصية العام والرئيس الأسد كان أقرب منافس له المركز الثاني.

1.1 مكافحة الفساد. فشل الرئيس بشكل واضح في مكافحة الفساد المتفشي على نطاق واسع. بالرغم أن مسؤولو النظام ليسوا الطرف الوحيد المتهم بالفساد، و أن الدول المجاورة الأكثر ديمقراطية مثل لبنان والعراق اداؤها  أسوأ من سوريا في التصنيف العالمي السنوي في مقدار الفساد. ولكن حتى الآن، هناك تصور بأن الأثرياء يزدادون ثراء والفقراء فقراً. في حين أن الطبقة العليا في المدن الكبرى تقود السيارات الأوروبية الفاخرة ، فإن مئات الآلاف من المزارعين الفقراء والبدو من مناطق الجفاف المنكوبة بحاجة إلى مساعدة ملحة من الدولة لأنها انتقلت إلى محيط دمشق وحلب أملا في العثور على عمل أو طعام.

بالإضافة إلى كل خيبات الأمل الطبيعية في فشل الرئيس في السيطرة على الفساد، منها فساد عائلته، فإن معارضي النظام والسوريين المغتربين والأجانب الداعمة لهم، ينشرون المزاعم الغريبة حول ثروة الرئيس و ابن خاله رامي مخلوف الذي سرق من الشعب السوري الفقير و كم هي كبيرة بما يكفي لإنعاش الاقتصاد السوري إذا ما تم استردادها من حساباتهم السرية السويسرية. على سبيل المثال، “موظفو الشركة الكندية أون لاين” على يقين من أن ثروة بشار الأسد هي بقيمة 122 مليار دولار، و هو إلى حد بعيد أغنى رجل على وجه الأرض. إنهم يعرفون بالتأكيد كيفية تحديد موقع الأموال المخفية، و ينبغي عليهم تعليم المصرفيين في سويسرا الأسرار المصرفية. الحكومه السويسرية تمكنت من تجميد 53 مليون دولارفقط، وهو مجموع أصول أعلى 54 فرد من النظام السوري (بما في ذلك الرئيس) و 12 من الشركات السورية المتهمين من الاستفادة من النظام.

هناك ادعاءات من قبل النقاد بأن ابن خال الرئيس – واحد من أغنى السوريين- رامي مخلوف، متصل معه ماليا و أن سوريا تحولت إلى “مزرعة العائلة”. استفاد مخلوف بالتأكيد من المعاملة التفضيلية، و حصل على ترخيص أول شركة للهواتف المحمولة في سوريا. كما انه كان قادرا على شراء الأراضي التي كان يعرف على ما يبدو، من خلال اتصالات حكوميه، انه سوف يرتفع سعرها في المستقبل القريب. وتقدر ثروته الحقيقية بين 2 إلى 4 مليار دولار، جزء منها من خلال الطرق المشروعة، يعني غير الفاسدة، بما في ذلك العديد من الاستثمارات خارج سوريا. بالمقارنة, جاء رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري في لبنان إلى السلطة مع 2 مليار دولار ولكن يقال بأن ثروته كانت أكثر من ذلك بكثير عندما تم اغتياله (تتراوح قيمتها بين 4.5 إلى 16 مليار دولار حسب الروايات المختلفة) تاركاً لبنان، أمة من أربعة ملايين شخص، غارقاً في الديون الخطيرة (أكثر من 50 مليار دولار). مقارنة بسوريا (5 مرات أكبر من لبنان)، ليس لديها ديون وطنية مهمة.

إذا نظرنا إلى سوريا على أنها بلد إنفاقاتها العسكرية مرتفعة جدا ،تتلقى القليل جدا من المساعدات المالية الخارجية وتدفع سنويا ما يقدر بثمانية مليارات دولار كدعم حكومي للطاقة والغذاء , وفوق ذلك توفر تعليما مجانيا (84% نسبة المتعلمين و20% نسبة الملتحقين بالتعليم الثانوي) , بالإضافة لتقديم رعاية صحية مجانية لكل المواطنين البالغ عددهم 23 مليون نسمة ( انخفضت نسبة الوفيات بنسب 30% تحت حكم الرئيس الأسد) , ولا يوجد لديها أية ديون خارجية , فإن ذلك يناقض مزاعم منتقدي الرئيس بأنه كان مشغولا بنهب البلد بطريقة أو بأخرى ( بحلول عام 2010 انخفض الدين الخارجي نسبة إلى الناتج القومي الإجمالي إلى 10% , في حين أنه كان 120% عام 2000 حين استلم الرئيس الأسد الحكم)

المزاعم التي تدعي بأن كل الأموال التي تأتي من تصدير النفط السوري تذهب إلى جيب الرئيس الأسد أو عائلته هي كلها باطلة , وقد استعملت في الغالب في الدعم الحكومي للغذاء والطاقة , تم تأكيد هذا الأمر بشكل شخصي من قبل صديق لكبير الاقتصاديين السوريين عبد الله الدردري , وقد ظهرت الإدخالات ( الإيرادات والنفقات ) للمرة الأولى في ميزانية هذا العام وهذا يفسر كونها أكبر بكثير من ميزانيات السنوات السابقة .

إن الحديث عن عشرات المليارات من الدولارات في حسابات الرئيس السرية في سويسرا , مفيد جدا لتحفيز عدد أكبر من الناس ليرغبوا بزوال زعيمهم الفاسد المفترض . حيث يريد أولئك الناس معاقبة اللص الذي نهب البلاد واستعادة الثروة وتوزيعها على الشعب بعد نجاح الثورة .

قبل أسبوع من الإطاحة بمبارك نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا زعمت فيه أن ثروة مبارك “قد تصل إلى سبعين مليارا من الدولارات” , وقد تبين فيما بعد أن هذا التقدير بني على مزاعم جريدة الأخبار الجزائرية , وهي جريدة صغيرة نشرت الخبر في عام 2009 بعد اللقاء الشهير بين منتخبي البلدين لكرة القدم . إلا أن تلك التقديرات التي تراوحت بين أربعين وسبعين مليار دولار , تحولت لتصبح رقما محددا وهو أربعة وسبعون مليارا وذلك تبعا لأحد القادة الثوريين الذي كان يخطب في مئات الآلاف من المصريين المحتشدين في ساحة التحرير . وقد نسب ذلك القائد الرقم إلى بعض “الآراء الدولية” الموثوقة , وكما كان متوقعا علا صوت تلك الحشود بالصراخ ” يا طيار يا طيار جبت منين سبعين مليار ” , وقد اضطرت الغارديان فيما بعد إلى تعديل تلك القصة بعد نشرها على شبكة الانترنت . وفي الوقت عينه نشرت وسائل إعلام موالية للثورة تقارير أنها تملك وثائق أصلية عن امتلاك مبارك حوالي 620 مليار دولار في مصرف باركلي , ومرة أخرى صدم الناس بشدة جشع رئيسهم , ولكن البنك في النهاية أنكر الأمر تماما . أخيرا قال السيناتور جون كيري في حديث للصحافيين بأن الحكومة الأميركية قررت تجميد مبلغ قدره 31.5 مليار دولار كان مبارك يستثمرها في الولايات المتحدة , ولكن مصادر من داخل الكونغرس أوضحت بأن ذلك كان سوء تفاهم وبأن السيناتور كيري قد خلط بين مبارك وبين صناديق الاستثمار الليبية في الولايات المتحدة .

عادة يكون من الصعب جدا إثبات مزاعم الفساد و يجب على المرء أن يتحكم في تحيزه وأن يحكم على صحة كل ادعاء بناء على حيثياته , بعض الادعاءات تكون صحيحة وبعضها الآخر قد يكون مبالغا به لدرجة كبيرة , والبعض يكون مختلقا بالكامل . فيما يخص الوضع السوري , من الواضح بأن عددا من أقارب الرئيس متورطون بالفساد , عمه رفعت وأولاده يمكلون المليارات , ولكن الرئيس الراحل حافظ الأسد عاش في شقة متواضعة وكان يخيط له بزاته خياط سوري عجوز , وكانت زوجته تطبخ له الطعام النباتي في المنزل , لم يكن لديه الاهتمام أو الوقت لأي شيء مادي حيث أنه كان يعمل لثماني عشرة ساعة يوميا في مكتبه , في حين كان الشقيق الأكبر للرئيس باسل حافظ الأسد، والذي قضى في حادث سير , يملك ولعا شديدا بالسيارات السريعة الفارهة , وهناك الكثير من الإدعاءات بأنه يملك مبالغ طائلة في حساب سري في سويسرا لم يتمكن أحد من إثبات وجوده .

أما بالنسبة للرئيس بشار الأسد فهو يهوى أجهزة الكومبيوتر والكاميرات الاحترافية الباهظة , لكنه يعيش أيضا في منزل والده القديم بعد أن جدده وأحضر أثاثا معاصرا وتحفا فنية , يقود الرئيس الأسد سيارات فخمة أهديت للقصر الرئاسي من قبل نظرائه حكام الخليج , لكنه لم يقد سيارات فارهة و رفض قبولها كهدايا من قبل أصدقائه في قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة . عندما كان شابا وبينما شقيقه الأكبر كان يقود سيارات إيطالية فارهة كان هو يقود سيارة بيجو عادية . يستمتع الرئيس الأسد بلعب التنس وقيادة الدراجات الهوائية مع عائلته أو مع أصدقائه القدامى , في حين أن زوجته أي السيدة الأولى المعروفة بذوقها الباهظ في ماركات الأزياء الأوروبية لا ترتدي قطع المجوهرات الباهظة الثمن بل تستعيض عنها بقطع من الإكسسوارات . وفي حين أن الرئيس الأسد يفضل دائما البقاء قريبا من أصدقائه القدامى فأن زوجته تفضل صنع صداقات مع كبار عائلات رجال الأعمال في سوريا ولبنان , هي أيضا تعمل بجد شديد ومن منشدي الكمال بإنجازاتها لذلك تم الاعتراف بها كأكثر السيدات الأولى نجاحا في العالم العربي .

لا يتبع بشار الأسد نمط الحياة المتقشف الذي عاشه والده حيث يعيش هو و زوجته حياة مرفهة . وعندما قامت الغارديان بنشر الإيميلات المسربة من الحسابات المزعومة للرئيس وزوجته , كان من الجلي بأن مجموع ما صرفه الاثنين معا كان في حدود عشرات الآلاف وبأن السيدة الأولى انتظرت حتى موسم التنزيلات قبل أن تشتري أي شيء، كما أنها طلبت منهم خصم ضريبة 15% (تساوي بضع مئات من الدولارات) لأن الأغراض سيتم تصديرها . ما سبق ليس بالتأكيد نمط حياة يستطيع مرتب الرئيس الرسمي أن يقدمه , ولكن ليس لدينا هنا قصور فخمة كالتي اعتاد الرئيس العراقي بنائها في كل مدينة عراقية , ليس هناك عطلات مكلفة في أوروبا كالتي يقضيها آلاف الأمراء العرب أو عشرات رجال الأعمال السوريين باستمرار . إن جميع مصروفات السيدة الأولى والتي سخرت منها الغارديان هي جزء بسيط من تكاليف عطلة في أوروبا لم تقم بها مطلقا عائلة الرئيس الأسد . ومع ذلك يبقى صعبا تبرير أن تقوم السيدة الأولى بالتبضع بكثرة خلال هذه الأزمة الدموية.

 1.2التعيينات الحكوميه والاداريه قد فشل الرئيس الأسد في الإحدى عشرة سنة الماضية بالوصول إلى آمال شعبه بالحكومات التي يعينها ، من رؤساء وزراة إلى وزراء و محافظين و غيرهم ممن أثبتوا فسادا أو فشلا إداريا أو قلة خبرة و عدم تأهيل و ما شابه ، و تعتبر تلك الخيبات المتتالية سببا رئيسا في الاستياء الكبير في صفوف السوريين ، و من الأمثلة البارزة محافظ مدينة حمص الأسبق إياد غزال و هو من الأسماء اللامعة في مجال الفساد و الاستبداد ،ممن صعدوا إلى عالم الثراء فجأة و بسرعة كبيرة بعد أن ثتبتت صداقته المقربة مع الرئيس الأسد نفسه . و لا بد من الإشارة إلى تصريحات مصادر حيادية في حمص بأن تعيينه ساهم و بشدة في موجة الغضب التي عمت ثالث أكبر مدينة سورية .

1.3 على الصعيد الشخصي فقد نجح الرئيس الأسد بإرضاء السوريين بتواضعه و أخلاقه الحميدة و على عكس النظام ككل هو رجل لا يحمل صفة طائفية، فقد كان على عدوه الشيخ القرضاوي عندما نادى بإسقاط النظام السوري الاعتراف بأن بعض أبناء الطائفة السنية يعتبرون بشار الأسد واحدا منهم ، و أن الأسد شاب ذكي بأخلاق عالية و تعليم عالي المستوى و يستطيع أن يفعل الكثير من أجل بلاده. أخبر رئيس الوزراء التركي تشارلي روز عن مقدار المحبة العظيمة التي يكنها الشعب السوري للرئيس الأسد حيث شهد ذلك في عدة مناسبات و بعد أن جال وسط دمشق متحدثا مع أناس عشوائيين، كما أكد جهاد الخازن الصحافي والكاتب في جريدتي الحياة و الشرق الأوسط ) أضخم جريدتين عربيتين ) على أن الرئيس الأسد يتمتع بقاعدة دعم جماهيري و شعبي واسعة جدا و يلقى الدعم من شرائح متنوعة و كبيرة من الطائفة السنّية .

1.4 المصالح الوطنية والكرامة الوطنية:على الرغم من الحملة الإعلامية العنيفة الأخيرة للإطاحة بجماهيرية الأسد، فلا يزال مؤيدوه يرونه القائد العربي الأجدر بالثقة لحماية الحقوق السورية و العربية حتى ضد الهيمنة الأمريكية- الاسرائيلية . وبينما تقوم وسائل الإعلام المملوكة للممكلة السعودية ولقطر بإرسال رسائل يومية لمتابعيها عن فشل الأسد المزدوج في حماية المصالح السورية والعربية على حد سواء , فإن أفضل تقييم للوضع وبعيدا عن اي دعاية إعلامية مغرضة تأتي من إسرائيل نفسها . إسرائيل التي حاولت إقناع عواصم الغرب ألاتسمح للثورة بالإطاحة بمبارك نرى سياسييها تواقيين لرؤية الأسد وقد خرج من السلطة . كمثال على ذلك نرى برنارد هينري ليفي و تسيبي ليفني عند إلقائهما محاضرة في جامعة تل أبيب قد تحدثا بحماسة كبيرة عن الإطاحة بالأسد , آفي ديختر الرئيس السابق لوكالة الأمن الإسرائيلي أرسل رسالة باللغة العربية عبر الفيديو لدعم الشعب السوري ضد حكم الأسد , كتب تزاكي هانجيبي اللذي كان وزيراً للعدل و رئيسا لللجنة العلاقات الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي ووزيرا للأمن الداخلي ووزيرا للإستخبارات والشؤون النووية في الجوريزيلم بوست :

“إن الإطاحة بالرئيس السوري سيحسن من الوضع الإستراتيجي لإسرائيل بشكل كبير” .

في النيويورك تايمز ،كتب الرئيس السابق للموساد إفرام هاليفي داعيا للإطاحة بالأسد :

“عند هذه النقطة لم يعد من الممكن العودة للوراء يجب على السيد الأسد أن يترك الحكم …… لكن على إسرائيل ألا تكون اللاعب الوحيد أو الرئيس في تسريع عملية خروجه من السلطة”.

وفي نفس الوقت يقوم أقرب حلفاء إسرائيل بكل ما في وسعهم لتشويه صورة الأسد ولدفع المجتمع الدولي نحو إرسال قوات لإسقاط نظامه , وعندما نرى بأن مايكل ويس , توني بدران , دونالد رامسفيلد , إليوت أبرامز , سعداء لرؤية الأسد ضعيفا وفي وضعية الدفاع , فمن الطبيعي أن يلتف حولة السوريون المتمسكون بقوميتهم .

إن إتباع نهج المقاومة والكرامة الوطنية لم تكن أوراق اعتماد كافية لتحمي الأسد من الحلقة السورية في مسلسل الربيع العربي , ولكنها كانت قوية كفاية لتؤمن له دعما مطلقا من قبل شريحة عريضة من السوريين اللذين تجاوزوا الخلافات المذهبية ,الدينية والمدنية والريفية . وبينما نجح الإئتلاف المعارض للأسد في تقديم نفسه بصورة بطل الحريات الشخصية والسياسية والكرامة أيضا ، كان رد مؤيدي الأسد ” هذا جيد لكنه لن يكون أبدا على حساب حريتنا وكرامتنا الوطنية” , و هذا عامل رئيسي قد فشلت وسائل الإعلام في فهمه وفي فهم نفسية الشعب السوري , حيث أن معظم السوريين يغلبون حماية مصالح بلدهم الوطنية على حقهم في تحدي الرئيس الأسد في انتخابات 2014 الرئاسية ، ولن تستطيع إقناعهم بالتخلي عن كرامتهم الوطنية مقابل وعود من التحالف النشط لدول الخليج وتركيا والدول الأوروبية والتي حاولت جميعها مرارا التحكم في القرار السوري ولجم الطموحات السورية أو ببساطة إضعاف دور سوريا في المنطقة كي يتمتعوا بنفوذ أكبر .

وبالنسبة لكثير من السوريين -وهذا الأمر لا ينحصر بمؤيدي الأسد-فإنه ينظرالى دول الخليج والمجتمع الدولي كعقبان وكأسماك قرش , وخلافا للمعارضة السورية الممولة قطريا فإن الأسد الأب والإبن ،مستعدان دائما لتحمل الضغوطات والعقوبات وسياسة العزل في سبيل حماية الكرامة السورية والإستقلال , إن كنت لا تفهم هذا فإنت منحاز بشكل كبير .

1.5 التعامل مع الأزمة: من الواضح بعد عام على بداية الأزمة في سورية أن الرئيس بشار الأسد خسر الكثيرين من مؤيديه. البعض ينظرون إليه كقائد ضعيف لا يستطيع فرض إرادته على أجهزته الأمنية، والبعض يشعرون أنه غير فعال في الاتصال مع الجماهير كما سبق وتوضح من خلال خطاباته المتعددة منذ بداية الأزمة في ١٥ مارس آذار، والبعض الآخر حمله مسؤولية شخصية بسبب ارتفاع حصيلة القتلى.

ليس الأسد الزعيم الوحيد الذي خسر شعبيته خلال الأزمة ذات العام الواحد، برهان غليون ومجلسه الوطني المعارض أيضاً خسروا دعم الكثير من المعتدلين السوريين عندما قام المجلس الوطني السوري بالدعوة لتسليح المتمردين بشكل غير مباشر، وبشكل متصاعد عندما دعموا التدخل العسكري الأجنبي في سورية، المجلس الوطني السوري أيضاً خسر “الشارع”، معارضي النظام من المحتجين غالباً ما أدانوا غليون لأنه لم ينجح بمساعي التدخل العسكري للناتو في سورية، كما تم تهميش العديد من القيادات العلمانية المعارضة المعروفة مع ميل “الشارع” نحو الأسلمة وتعبئته في ميليشيات.

كان من الجليّ أن أيّاً من أسماء المعارضين المطروحة في الشارع السوري لا تحظى بدعم كبير في الشارع ، و بإستثناء رجل الدين السوري المتطرف والمقيم بالسعودية عدنان العرعور.

على الرغم من أن شعبية الأسد الآن في انخفاض إلا أنه لا يزال حتى الآن أكثر شعبية من أي شخصية معارضة بعينها،و بحسب كثير من السوريين الذين يعارضوه اليوم بشكل قطعي لا يزال الأسد الزعيم السوري الوحيد القادر على إدارة بلدهم بغض النظر عن الطريقة التي أدار بها الأزمة الأخيرة.

إن عدد الضحايا لا يزال موضوعاً صعباً وعاطفياً، وسيكون من الأسهل بمكان للوصول إلى حل للأزمة في سورية إذا ما توقفت حملات البروباغندا وتكتيكات الحملات الإعلانية السطحية التي تدعي جانب الحق.

الجميع، وربما بما فيهم الرئيس السوري ومعظم منتقديه مسؤولون بشكل مباشر أو غير مباشر عن الآلاف الذين لقوا مصرعهم. هؤلاء الذي رفضوا الانخراط في الحوار يتحملون أيضاً جزءاً من المسؤولية، أولئك في وسائل الإعلام الذين يتلاعبون بعقول الناس يومياً لإقناعهم أن النظام على وشك السقوط خلال أيام أيضاً قد يكونون مسؤولين، أيضاً المسؤولون الغربيون الذين ينصحون المعارضة السورية بالتصعيد بدلاً من الحوار مع النظام هم مسؤولون مباشرون بسبب حساباتهم الخاطئة وتقديراتهم التي استهانت بقدرة النظام على الصمود والبقاء على قيد الحياة.

كتب السفير الأمريكي بدمشق روبرت فورد في رسالة نشرت على صفحة السفارة الأمريكية على الفيس بوك ما يلي:

“بعض أعضاء اجهزة الأمن السورية قتلوا،البعض يريد من الولايات المتحدة الإعتراف بذلك، أنا السفير الأمريكي وأنا أعترف بذلك. ولكن عدد من قتل من أجهزة الأمن هو أقل بكثير جداً من عدد القتلى من المدنيين. لا أحد في المجتمع الدولي قد يقبل تبرير الحكومة السورية أن مقتل هؤلاء اللذين يعملون في الأجهزة الأمنية يبرر القتل، الإعتداء، الإعتقال التعسفي، التعذيب، والتحرش بالمدنيين العزل من المتظاهرين!”

بالتأكيد لا شيء يبرر قتل المدنيين الأبرياء من قبل أي طرف، ولكن ينبغي للمرء أن يفحص منطق السفير والذي يفسر لماذا قررت الولايات المتحدة المساعدة على الإطاحة بالأسد، إذا كان قتل ٢٥٠٠ من الجنود والشرطة والمدنيين الذين قتلوا على يد المعارضين للنظام لا يبرر قتل من ٧٠٠٠ إلى ٩٠٠٠ على يد الجيش السوري الأقوى بكثير، في (نسبة ٣ إلى ١)، هل سيصرح السفير نفس التصريح لجهة قتل إسرائيل ١٢٠٠ لبناني عام ٢٠٠٦ بعد قتل أثنين من جنودها (نسبة ٦٠٠ إلى ١) أو قتلها ١٣٥٠ مدني في قطاع غزة بعد قتل إسرائيلي واحد بواسطة صاروخ لحماس (نسبة ١٣٥٠ إلى ١)، أو التقديرات بقتل ١٥٠٠٠ جندي شاب عراقي بعد استسلام صدام حسين وجيشه عندما كانوا ينسحبون من الكويت (نسبة ١٥٠٠٠ إلى ٠)، فما هي النسبة المقبولة عندما يكون لديك ثوار مسلحون ممولون ومسلحين من قبل الأعداء في الخارج ويحاولون السيطرة على بعض المدن الرئيسية لديك؟

أكثر من ذلك، لا أحد يعرف بشكل قطعي عدد الخسائر بالأرواح. فمصدر عدد الضحايا المتداول من قبل وسائل الإعلام، هي المرصد السوري لحقوق الإنسان وهي منظمة سورية مقرها لندن، وهي عملياً الوحيدة على الساحة، قوائمها تتضمن أسماء الجنود القتلى -تحت افتراض غير منطقي- أنهم قد أعدموا من قبل النظام، القوائم تتضمن أيضاً من القتلى من المجموعة الفلسطينية التي حاولت عبور الحدود مع هضبة الجولان من قبل إسرائيل في شهري مايو ويونيو ٢٠١١ احتجاجاً على الإحتلال الإسرائيلي.

وأخيراً فشلت هذه القوائم في التمييز بين المدنيين الأبرياء والآلاف من الثوار المسلحين الفخورين بمواجهاتهم البطولية مع الجيش السوري والذين قاموا بتحميل مئات من مقاطع الفيديو على اليوتيوب، ويتم نشر و تبني هذه القوائم في وسائل الإعلام الغربية والعربية من قبل ناشط غير محايد وغير مؤهل ويعمل بشكل علني على الإطاحة بالنظام.

أحد قادة المعارضة السورية ذو المصداقية العالية السيد هيثم مناع، صرح لبرنامج في محطة بي بي سي أن لديه معلومات تفيد بأن عدداً كبيراً من أعضاء ما يسمى الجيش السوري الحر هم في الواقع جهاديين عرب وأجانب يقاتلون زملائهم السوريين في الجيش الحر لمجرد الاختلاف في الرأي معهم.

2-استطلاعات الرأي في الفيسبوك :
تم تحليل نتائج قرابة ثمانية عشر استطلاعاً للرأي على الفيسبوك وروعي أن تكون هذه الاستطلاعات مستقلة وفيها عدد كبير من المشاركين (ما مجموعه أكثر من مليون صوت). معظم الاستطلاعات تشير إلى الأسد ما زال يتمتع بدعم أغلبية ضئيلة من الشعب السوري. على الرغم من أن الاستطلاعات لم تعتمد المنهج العلمي إلا أن حجم العينات كبير و كانت النتائج متطابقة ، مما يلفت النظر. ومع ذلك ، فإن تلك الاستنتاجات تبقى تقريبية ، خصوصاً أن عدداً كبيراً من السوريين لم يشارك فيها ، كالفقراء وغير المتعلمين وغيرهم ممن لا يستطيع الوصول إلى الفيسبوك.

3-حجم الحشود :
يعتمد كلا الجانبين فيما يبدو على حجم الحشود من المظاهرات باعتبارها طريقة لقياس الشعبية ، وللتذكير فإن طريقة تقدير عدد الحشود تعتمد على قاعدة بسيطة وهي أن كل متر مربع من المساحة يتسع لشخصين أو ثلاثة . من جهة ادعى النظام أن اكثر من عشرة ملايين سوري شاركوا في المظاهرات المؤيدة ، وعلى المقلب الآخر زعمت المعارضة أن مليونا ومئتي ألف من المعارضين تظاهروا في دير الزور وحماة.

كلا الإدعائين يجافيان الحقيقة. ففي حين أنه من الصعب تقدير العدد الإجمالي للمتظاهرين الموالين للنظام في جميع أنحاء البلاد، يمكن أن نؤكد بدرجة معقولة من الثقة أن عدد المتظاهرين المؤيدين لم يكن أقل من مليون متظاهر في أنحاء البلاد.
وبالمثل، فإن عدد متظاهري حماة ودير الزور مجتمعين يقع بحدود ثلاثين إلى أربعين ألفاً على الأكثر. فالمواقع التي حدثت فيها مظاهرات دير الزور تتسع لثلاثة آلاف أو ربما خمسة آلاف متظاهر على الأكثر. أما في حماة فمساحة منطقة ساحة العاصي هي 11000 متر مربع. وقد أوضحت مقاطع الفيديو العديد من المساحات الفارغة داخل الحشد وإذا افترضنا شخصين للمتر المربع الواحد في المتوسط، إضافة إلى بضعة آلاف من الناس في الشوارع الجانبية ، نخلص بحسبة بسيطة إلى أن حديثنا عن عدد يقدر بحوالي 30000 من المتظاهرين ليس بعيدا عن الحقيقة.
لم يكن لدى وسائل الإعلام العربية والغربية مانع من بث أخبار عن مظاهرة من ٥٠٠ ألف شخص في في دير الزور ، وهي مدينة لا يزيد عدد سكانها عن ٢٠٠ ألف وليس لها ضواحي أو مدن تابعة قريبة في الصحراء حيث هي . لذلك من الصعب أن نقبل بأن كل وسائل الإعلام هم مجرد ضحية بريئة لمحاولات المعارضة لاستخدامها كبروباغاندا

إن كان القارئ من المتعاطفين مع المعارضة ، ورأى أن الأعداد صغيرة و مخيبة للآمال، وبالتالي، غير مقنعة، فإني أطلب منه أو منها إلقاء نظرة على الصورة أعلاه حيث أجريت مقارنة بين المظاهرات في حماة وحفل لفرقة U2 الأخيرة (وقد حضرت هذا الحفل) . وقد بيعت تذاكر الحفلة بالكامل وحضرها نحو ثمانين ألفاً من سكان مونتريال (وهذه حقيقة ). وكانت المساحة التي تقع في بحدود 35000 إلى 40000 متر مربع ممتلئة بالكامل وهذه المساحة أكبر من مساحة ساحة العاصي في حماة بثلاثة إلى أربعة مرات.

تريد المعارضة أن تزعم أنها تمثل ” الشعب السوري ” بنسبة كبيرة . إن العدد التراكمي للمتظاهرين ( وهو لا يتجاوز مئتين وخمسين ألفاً ) منذ بداية الأحداث في منتصف مارس من العام المنصرم حتى الآن لا يدعم هذا الاستنتاج. فالمظاهرات المؤيدة للنظام وقوى الجيش والأمن ( والمؤلفة من مئات آلاف الأشخاص المؤيدين للنظام ) أكبر حجماً ، هناك فارق كبير و واضح في تعداد المظاهرات المؤيدة مقارنة بالمظاهرات المعارضة.

عندما أعلن فريق من مراقبي جامعة الدول العربية تاريخ وصوله إلى سوريا لمراقبة وعود قوات الأمن بالسماح بالمظاهرات بحرية ، قام نشطاء المعارضة في دمشق وحلب بالإعلان في الفيسبوك عن تنظيم مظاهرات مليونية في أكبر مدينتين في سوريا. وقد شعروا بالحماس وقد ظنوا أن الناس ستتظاهر بحرية وسيشهد المراقبون العرب ما تفعله قوات الأمن و الشبيحة . لم تقع هذه المظاهرات المنتظرة في أي من المدينتين ، على الرغم أن المدن الأقل حجماً استفادت من وجود المراقبين العرب كإدلب مثلاً حيث تظاهر مابين 10 آلاف إلى عشرين ألف شخص في إحدى الجمع وعلى مرأى من قوات الأمن.

من الواضح أن عدد السوريين المؤيدين للثورة أكبر من تلك الأعداد إلا انهم لم يشاركوا في المظاهرات، إما بسبب الخوف من العقاب أو لأن معارضتهم ليست بحماس أولئك الذين قرروا المشاركة في المظاهرات. نلاحظ أيضا أن الاحتجاجات وقعت في كل المدن السورية تقريباً ، وحتى في دمشق وحلب، ولكن الأرقام كانت صغيرة في الغالب، مقارنة مع احتجاجات أكبر إلى حد ما في حماة، درعا وحمص وإدلب، و الرستن ودير الزور . من ناحية أخرى، فإن زعم الثوار الذي يتردد صداه في كل أسبوع في وسائل الإعلام بأن المظاهرات تتزايد بشكل أسبوعي ، لا أساس له. فقد شهدت مدينة حماة أكبر الحشود خلال شهر يوليو العام المنصرم ، في حين أن المظاهرات في درعا أصبحت أصغر مما كانت عليه وفي اللاذقية توقف التظاهر تماماً. وندعو كل من لا يوافق على هذا الاستنتاج إلى تقديم دليل أن الاحتجاجات في نمو مستمر كل أسبوع ، كما يروج له في وسائل الإعلام.

عندما حاول الرئيس مبارك حشد مؤيديه ، لم يستطع تسيير أكثر من مظاهرة صغيرة من ١٠ آلاف إلى ٢٠ ألف شخصاً لا أكثر (يبلغ عدد سكان القاهرة 20 مليون). في المقابل، خرجت مسيرات مؤيدة للرئيس الأسد في معظم أنحاء البلاد (وصلت إلى مليون في جميع أنحاء سوريا، بشكل تراكمي ) أي أكبر بخمسين مرة من المسيرة الوحيدة المؤيدة لمبارك . (ذكر التلفزيون السوري 10 ملايين وهو رقم مبالغ به ، في دمشق، حلب، اللاذقية، طرطوس، حمص، حماه، الحسكة، السويداء ومدن عديدة أخرى ). وبالنظر إلى أن عدد السكان في سورية هو ربع عدد السكان في مصر، فمن الواضح أن شعبية الأسد حقيقية.

حاول المعارضون أن يفسروا الحشود كبيرة من أنصار الأسد بعدة طرق فمرة قالوا بأنهم جلبوا بالباصات الحكومية وتمت مصادرة بطاقات الهوية الخاصة بهم (حتى عودتهم إلى الحافلة ). عندما تفكر في أن الحافلة فيها 40 شخصا، فالمظاهرة التي تعد ٢٠٠ ألف شخصاً تحتاج إلى خمسة آلاف حافلة. لم يلاحظ أو يسجل مثل هذا العدد الضخم من الحافلات بالقرب من أي من المسيرات المؤيدة الأسد . وبالمناسبة، تجاهلت وسائل إعلام غربية مسيرات مؤيدة لحزب الله في بيروت لذات السبب ، في حين أن تلك الوسائل وصفت المظاهرات المؤيدة ل 14 آذار (حلفاء أميركا في لبنان)، بأنها مظاهرات عفوية.

في حين قال معارضون آخرون بأن المتظاهرين المؤيدين يتم التهديد باعتقالهم أو قتلهم إذا لم يشاركوا في المظاهرات، إلا أن هؤلاء لم يفسروا أن ذلك لم يحدث لباقي الشعب السوري الذي لم يشارك في المسيرات المؤيدة.

وكتب روبرت فيسك من دمشق مايلي :
“هناك في الشارع مظاهرة أخرى مؤيدة للأسد قد بدأت بعشرة آلاف ثم وصلت إلى ٥٠ ألف بعد ذلك – ربما تكون قد وصلت إلى ٢٠٠ ألف في الظهيرة ولم يتم توريد الناس إلى المكان بالشاحنات إلى ساحة الأمويين كما كان يحدث وقت صدام حسين ولم يكن الموجودون من المخابرات أو الجنود ، ولو وجد جنود فهم مع عوائلهم . كيف يمكن للمرء يقدم عرضا توضيحيا للمولاة للحكومة خلال الربيع العربي ؟ كانت هناك نساء محجبات وشيوخا، والآلاف من الأطفال وكلمة “سوريا” مكتوبة على وجوههم. معظم الأعلام سورية و بعضها لروسيا والصين. هل أجبرو على ذلك؟ أنا لا أعتقد “.

زارت شارمين نارواني المدونة والمحللة السياسية في جامعة أكسفورد دمشق بداية هذا العام ، وأجرت بعض المقابلات مع البقية الباقية من المتواجدين بعد إحدى المظاهرات المؤيدة للحكومة التي تحدث فيها الرئيس الأسد إلى المحتشدين في أحد ساحات دمشق الرئيسية ، وقد كتبت ما يلي :
” ذهبت إلى الساحة ولدي توقعات منخفضة ، فقد أظهرت تقارير وسائل الإعلام في الغرب المحتشدين المؤيدين للحكومة بأنهم مجبرون على ذلك ومدفوعين بالخوف ، وأحضروا بالباصات أو دفع لهم بغية تأمين حضورهم .
تمكنت من الوصول إلى الساحة بعد مغادرة الرئيس ، و مازال المحتشدون يغادرون الساحة ، ومنهم من لازال مستمرا في إنشاد الأغنيات المؤيدة للأسد ، وبعضهم الآخر يقوم برقص الدبكة التقليدية ، ومنهم من يرفع الأعلام ومنها أعلام حزب الله لإظهار الدعم للمقاومة. كانوا رجال ونساء ، أطفال وشيوخ ، متدينون و علمانيون ، جنود و مدنيون وكانوا بحالة اعتيادية تماما و لا يبدو عليهم أنهم ” أجبرو ” للقيام بالتجمع”.

يتراوح موقف الشعب السوري بين من يمقت الرئيس ويريد رؤيته ميتاً، ومن يريدونه رئيساً إلى الأبد . طرفي النقيض هؤلاء هم الأكثر سطوة والأعلى صوتاً. هم من يتظاهرون مع وضد ، وهم من يتواجد على الفيس بوك باستمرار ليترك التعليقات الصارخة ، وهم من يتصل بالصحفيين والسفارات الأجنبية.

لكن من المهم أن نفهم أن هؤلاء المتطرفون (حباً أو كراهية) لا يمثلون عموم الشعب السوري، بل إن غالبية الشعب السوري تتحلى بالمنطق والمرونة. وتريد أن يستمر الرئيس بأداء وظيفته حتى نهاية العام 2014 ، وإما أن لا يترشح بعد ذلك أو يترشح ويترك آخرون ينافسونه بحرية. لو كسب انتخابات كهذه فهم لن يمانعوا وجوده ، ولو خسر فلن يمانعوا ذلك أيضاً.ولكنهم يريدون انتخابات نزيهة حقيقية وليس انتخابات فيها تلاعب كانتخابات حسني مبارك.

أغلب السوريين يريد العودة إلى حياتهم الاعتيادية قبل اندلاع الأزمة ، وبعضهم ممن كان صامتاً إلى الآن ، سيدعم أي فائز بعد انتهاء الصراع الحالي. وكثير منهم يفضل الرئيس الأسد على غيره من الأسماء المطروحة في المعارضة على الرغم بأن هؤلاء لم ينبهروا كثيرا بأداء الرئيس أثناء الأزمة. و لا يبدو لهم أي من الأسماء المطروحة من المعارضة كبديل أفضل ، لذلك أشك أن أياً من تلك الأسماء يتحلى بدعم يتجاوز العشرة بالمئة.

قبل وصول الربيع العربي إلى سورية ، كان اعتقاد من هم في معسكر النظام بأن “الربيع العربي” لن يمر في سورية لما لدى الرئيس والنظام من شعبية . وبعد بدء الاحتجاجات اتجهت وسائل الإعلام العربية والغربية إلى الفرضية المعاكسة ، وهي أن الشعبية التي يتمتع بها الرئيس قليلة و شبيهة بما تمتع به قريناه التونسي والمصري.

أثبتت الأيام خطأ كلا الإفتراضين ، فهناك من المؤيدين والمعارضين وغير المبالين ما يكفي لأن تكون الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات ، أمام الأسد تحدي حقيقي في قيادة الإصلاح في سورية ، و لكن من الخطأ الافتراض بأن فشله في ذلك محتم.

 

توزع الشعبية

من المضلل الاعتقاد أن تقديرات بسيطة يمكن أن تصنف السوريين كمؤيدين أو معارضين للرئيس السوري. إن شعبية الأسد بين 24 مليون سوري أو أي تجمع حقيقي كبير ذو تركيبة معقدة مثل سوريا هو متغير يتبع توزع المنحنى البياني. المحورY يشير إلى عدد ( أو نسبة) الناس التي تنتمي إلى كل فئة تأييد. على سبيل المثال , إذا اعتمدنا نموذج ذو خمس فئات (انظر الارقام أدناه)

1- فئة صغيرة تقدر بحوالي المليون من المؤيدين emotional support و تمثل قيمة منخفضة للمحور Y في الشكل البياني أعلاه. هؤلاء إما يحبون الرئيس أو أنهم خائفون بالمطلق من البديل. الفئة التي يرتكز تأييدها على الخوف هم الأقليات الدينية أو المسلمون الوسطيون الذين يخشون من التطرف الديني أو الوطنيون المتشددون الذين يخافون من “الخونة” أو من وصول دمى الخليج والغرب إلى مراكز القوة و بالتالي إضعاف سوريا.

2- عدد كبير من المؤيدين و يقدرون بعدة ملايين. rational support يعتقد هؤلاء أن الرئيس الأسد هو إنسان شريف و يقوم بعمل جيد لحد الآن و يجب أن يعطى فرصة لقيادة مسيرة الإصلاح. لا تثير قيادات المعارضة إعجابهم و لكنهم لا يمانعون وجود بديل للأسد في المستقبل في حال كان مقنعاً.

3- عدد كبير من السوريين المتخوفين من المخاطر و الحائرين أو المتذبذبون باستمرار undecided . لكي يتخذوا قراراً فهم بحاجة إلى رؤية إصلاحات مقنعة أو قدرة الرئيس على استعادةالاستقرار في سوريا( وهذا يعتمد على تفضيلهم بين الاصلاح من جهة وبين الاستقرار و الأمان). يعتمد حجم هذه الفئة على الأسد. حتى الآن ما زالوا ينتظرون بفارغ الصبر و هم متحيّزون بطبيعة الحال للإبقاء على الوضع الحالي وليس لأن لديهم أفضلية أقوى أو متمسكين بقيادته.

4- عدد كبير من السوريين الذين خابت آمالهم في أداء الرئيس و خصوصا خلال السنة الماضية rational critics . و رغم أنه من غير المرجح فقد يغير البعض منهم رأيه حول الأسد في حال استمرت المعارضة بتخييب الآمال أو إذا وجد احتمال أن سوريا ستواجه حرب أهلية على نطاق واسع أو اذا كان الهجوم العسكري الأجنبي لا بد منه.

5- عدد صغير من السوريين الذين يكرهون بشار الأسد بشدة لشخصه و جلّ آمالهم القضاء عليه emotional critics . تتكون هذه الفئة بالغالب من المتعصبين دينياً أو الناشطين الذين عانوا أو يعرفون آخرين قد عانوا من وحشية النظام.

لا يعكس الشكل البياني أعلاه بيانات حقيقية بشكل مباشر، لكن الهدف منه مساعدة القارئ على تصور عدة درجات من التأييد أو المعارضة المتواجدة بين التعدد السكاني الحقيقي ذو الطبيعة المتغيرة باستمرار. ترتكز كل التقديرات السابقة على تقديري الشخصي و لكم حرية الخيار في نقل إحداها إلى اليمين أو اليسار.

تقف الفئة 1 و 5 (المتطرفين من الطرفين) خلف الكثير من الفوضى في سوريا اليوم. و هم يوصفون باللاعقلانية و الأكثر خوفا و/أو المدفوعين بالانتقام و الأكثر تصميما و الأقل اهتماما بالوصول إلى تسوية. هم واهمون و أقل مصداقية و يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة.

معظم المتظاهرين المتواجدين في المسيرات المؤيدة أو المعارضة ينتمون إلى هاتين الفئتين . من جهة أخرى فإن أغلبية السكان ليست ناشطة على الرغم من الانطباع الذي يعطيه الإعلام سواء كان مؤيدا أم معارضا. تتناقش الأغلبية في السياسة من حين لآخر و لكنهم لا يقضون أوقاتهم على الفيسبوك مدافعين عن مواقفهم و لا يخاطرون بإخبار الغرباء حول آرائهم السياسية.. إن عدم انجرار الغالبية السورية إلى الصراع الدموي الطائفي الدائر في حمص يظهر أن هناك شيئ من الحقيقية أن السوريين ليسوا طائفيين بشكل عام. يحتاج المرء إلى التمييز بين إمكانية وجود الطائفية ضمن بعض الفئات 1 و 5 و بين المواقف الأكثر حيادية و المسؤولية من غالبية السوريين.

بعض الملاحظات الأخيرة حول الشعبية:

يوجد في سوريا تعداد سكاني متنوع إلى حد كبير. من المرجح جداً أنه في حال حصول انتخابات حرة في 2014فلن يستطيع أي مرشح الحصول على نسبة قريبة من 50% في الجولة الأولى (الشعبية الحقيقية). في اسرائيل و هي دولة ذات تعداد سكاني أقل تنوعا من سوريا, أفضت جميع انتخاباتها خلال العقد الماضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية حيث لم ينجح أي حزب في تحقيق نسبة تصويت أعلى من 50%. من الخطأ الإعتقاد أنه إذا حصل الرئيس على تأييد نسبة معينة من السوريين فإن باقي السوريين سيتكتلون في هيئة معارضة واحدة تمثلهم جميعاً. تتكون هذه الكتلة المعارضة من فئات صغيرة من غير الممكن جمعها في فئة واحدة. إن الشيوعيين و الأكراد و الإسلاميين ليسوا معارضة واحدة و يجب أن لا نجمعهم في كتلة واحدة لإعطاء انطباع خاطئ أن أي شخص لا يؤيد الأسد ينتمي إلى معارضة كبيرة و موحدة. إن المحاولات الكثيرة الساعية إلى توحيد المعارضة و التي فشلت بشكل فاضح في هذا لحد الآن تعطينا درسا مفيداً. لم يكن السبب الوحيد لفشلهم أن معظم قادة المعارضة السورية غير محترفين بل فشلوا أيضا لأن الشيئ الوحيد الذي يجمعهم هو إسقاط النظام.

من المثير للسخرية سماع بعض النواب و أعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين الذين دعموا الحرب في العراق يتحدثون أن فقدان الأسد لشرعيته . و ذلك بالنظر إلى مئات آلاف الأرواح البريئة التي أزهقت سدى و يتضمن ذلك قرابة الخمسة آلاف جندي أميركي و آخذين بعين الإعتبار أن تقييم استطلاعات رأي الكونغرس كان 18% حسب علمي.

على الرئيس الأسد طمأنة شعبه بأنه ينوي السماح بوجود مراقبين دوليين (من دول البريكس) للإشراف على نزاهة العملية الانتخابية. حتى الآن فقد تحدث الرئيس بشكل مبهم و موجز عن 2014. ربما شدد مستشاروه على أهمية ألا يظهر ضعيفا مثل الرئيسين المخلوعين المصري و التونسي الذين تعلموا أنه كلما تم تلبية مطالب المتظاهرين , كلما ازداد سقف مطالبهم بعد كل خطاب رئاسي. و لكن ما من داع للأسد ليقلق من مقارنته بهما بعد الآن, فقد خذلهما الجيش و الغالبية من الشعب بينما لازال الأسد قويا و يتمتع بقاعدة شعبية صلبة. من الآن و حتى يعلن التزامه بالمراقبين الدوليين فللمعارضة كل الحق في رفض أخذ عرضه بإجراء انتخابات رئاسية 2014 على نحو جدّي.

من الناحية الأخرى, هذا هو المطلب الذي يجب على قادة المعارضة الزام النظام بالموافقة عليه. كل ما يحتاجونه هو الجلوس و الحوار و لا يمكن للنظام رفض مثل هذا المطلب الشرعي.

الخطوط الحمراء عند الرئيس الأسد

إنه لمن الأهمية بمكان أن يفرق صانعو السلام ما بين الخطوط الحمراء للرئيس السوري و للعديدين داخل النظام و بين ما يمكن أن يتنازل عنه في الحوار مع المعارضة.

أولاً: و على المستوى الشخصي يرغب الرئيس الأسد بتقييم عادل لنهجه و نهج والده فالكثير من المعارضين داخل و خارج سوريا يريدون أن يربطوا صورة الأسد الأب و الأسد الابن بفئة القادة أمثال صدام حسين كقتلة طائشين قاموا بتدمير اقتصاد سوريا و نهبوا خيراتها و سبوا نسائها و عقدوا اتفاقيات سرية مع الإسرائيليين (بما يتضمن بيع الجولان عام 1967) كما قاموا بقمع و قتل و تعذيب كامل الشعب السوري الذي يكرههم بشكل مطلق و لكن الرعب منعه من الحراك. إن أي معارض مازال مصرا على إذلال (إن لم يكن معاقبة) الرئيس هو عقبة في طريق الحل السلمي للازمة السورية. كل من قدم النصح للجان التنسيق المحلية لغاية نشر شعارات تطالب بإعدام الرئيس أو حتى للإساءة إليه من خلال الشعارات أو الهتافات الساخرة المختلفة كان يقصد إغلاق الباب بوجه الحل السلمي التفاوضي. فقط دولة ذات نظام سياسي مستقر ناتج عن عملية ديمقراطية يمكنه أن يقبل بمثل هذه السخرية و لكن في العالم العربي فإن النظام الذي يسمح بالإساءة للرئيس أو بتهديده بالإعدام هو أمام خيارين: أن يثبت قدرته على الاستمرار بالحكم أو أن يحل نفسه. هؤلاء الذين قامروا بتصعيد تكتيكات ومطالب المتظاهرين يتحملون جزئياً مسؤولية الدم الذي سفك بالنتيجة. لقد كان واضحا منذ البداية أن النظام سيرد بقسوة. المسئولون الأمنيون يقرؤون نفس كتاب أوتبور لاستراتيجيات الإطاحة بالنظام الذي يقرأه و يطبقه حرفيا داعمو اللجان التنسيقية، و يفهمون ما يحاول مسؤولو تلك اللجان الوصول إليه، و يفهمون حيلهم و استعراضاتهم، و يعملون على تخطيها و إفشالها.

ثانياً: الرئيس الأسد يرغب بإدارة عملية الإصلاح بما فيها كتابة الدستور الجديد ليضمن أن الدين لن يلعب الدور الأساسي في السياسة السورية و ليضمن أيضا بان العلويين و غيرهم من الأقليات، مع العلمانيين السنة لن يشعروا بالخوف في سوريا الجديدة الأكثر ديمقراطية. نظام الرئيس الأسد سيقاوم أي ضغط يحاول إرغامهم على القبول بسوريا غير علمانية حيث قد تعاني النساء و العلمانيين بشكل عام من تقييد شديد للحريات. الوعود باحترام حقوق المرأة وحقوق الأقليات، و التي قدمتها  بعض شخصيات الإخوان المسلمين الدارسين بالغرب، بدت فارغة و مزيفة و غير مقنعة. لم يساعد العنف و اللهجة الطائفية اللذان ظهرا منذ بدايات الاحتجاجات على التخفيف من الحذر التاريخي للأقليات من الإسلام السياسي. بنفس المنوال لم يكن أمراً مطمئناً أن تقبل العديد من الشخصيات العلمانية المعارضة بالتحالف مع أكثر المتشددين الدينيين في سبيل الإطاحة بالنظام. في اجتماع خاص بالسويد يخبر علي البيانوني مناصريه من الإخوان المسلمين بأنهم هم الإخوان المسلمون من عينوا برهان غليون كقائداً علمانياً للتحالف المعارض الأكبر أي المجلس الوطني السوري . أضاف البيانوني بأنهم على علم بالطبع بكون برهان شيوعي سابق و هم لا يقبلون آراءه بشكل واضح لكنهم اختاروه كواجهة يتقبلها الغرب و الداخل السوري (العلمانيين من السوريين). هذه التقية السياسية، إن صح التعبير، لا تنطلي على الكثير من السوريين من الأقليات الدينية أو العلمانيين.

من جهة أخرى فإن كل من قطر و تركيا و السعودية بالإضافة لحلفائهم في لبنان و الأردن يقومون بكل ما بوسعهم بهدف دعم الإسلاميين و نشر الرعب أو الكراهية ضد العلويين و الشيعة ما بين السوريين و على نطاق الشرق الأوسط بأكمله, كما يسعون لإرغام الأسد على مشاركة أو حتى نقل السلطة إلى الإسلاميين. مع بداية التظاهرات في آذار 2011 عملت تركيا على الترويج للإخوان المسلمين بقوة. عندما تحدث رئيس الوزراء التركي رجب اردوغان مع الرئيس الأسد أصر على أن يقوم الأسد بمشاركة السلطة مع الإسلاميين.كما صرح وزير خارجيته احمد اوغلو عدة مرات بان تركيا ترغب بان تكرر سوريا التجربة التركية القائمة على حكم ناجح لحزب إسلامي معتدل. عندما وضح الأسد انه سيبقي سوريا علمانية عمد اردوغان إلى التصريح بانتقاداته علنا و بدا بإطلاق تهديدات غير مباشرة بالتدخل العسكري إذا وجب الأمر. علمانية سوريا خط أحمر لدى الأسد.

ثالثاً: الخط الأحمر الأعرض هو القرار الوطني السوري المستقل في أمور السياسة الخارجية. من أهم منجزات الرئيس حافظ الأسد بعد 30 سنة من السلطة هو تحويل سوريا إلى قوة إقليمية مميزة. فبشار الأسد لن يقبل أملاءات أو إنذارات من أية قوة خارجية. هولن يقوّض 40 سنة من استقلالية سوريا ولا بأي ثمن. تظهر وثائق ويكيليكس أن معظم القادة العرب “المعتدلين” خضعوا بشكل منهجي لتأثير الرغبات الأمريكية أو حتى الإسرائيلية. رئيس الاستخبارات المصري الجنرال سليمان تحدث ” بضعة مرات خلال اليوم الواحد عبر خط ساخن” مع إسرائيل. السوريين بالمقابل أظهروا استقلالية و حزم و صلابة في مواقفهم خلال الاجتماعات الخاصة مع الأمريكان تتطابق مع مواقفهم في العلن. أما المعارضون الذين يزعمون عكس ذلك فلقد فشلوا في فهم هذا الجانب الأساسي من عقيدة النظام، أو أنهم يرفضون الاعتراف بالأولويات الوطنية المحضة لكل من بشار و حافظ الأسد.

خاتمة

فشلت محاولات حل الأزمة السورية لأنها انطوت في كثير من الحالات على إصرار المعارضة على إذلال للرئيس، وعلى محاولة إجباره على قبول دور رئيسي للاسلام السياسي في السياسة السورية، أو اعتمدت المحاولات بالضغط عبر فرض مواعيد نهائية من قوى خارجية حاولت معاملة سوريا كبلد هامشي وليس كلاعب رئيسي.

ينبغي على قادة “المجتمع الدولي”، والصحفيين أو المحللين الذين لا يستطيعون تجاوز مسؤولية الرئيس الأسد عن آلاف السوريين الذين لقوا مصرعهم خلال هذا الصراع أن يأخذوا في الاعتبار أن نسبة الجنود الذين قتلوا على أيدي المعارضة الى المدنيين الذين قتلوا في على يد الجيش هي ١ إلى ٣ على افتراض أننا نقبل التقارير الدعائية و الأرقام المشكوك فيها من الضحايا التي قدمها المرصد السوري لحقوق الإنسان. و عليهم كذلك أن يعيدوا النظر في ادعاءاتهم بأن جميع الضحايا كانوا من المدنيين وأن أحدا لم يقتل في سوريا إلا على أيدي القوات الحكومية.

العديد من السوريين يسعون بنشاط للحصول على الحريات السياسية. ولكن في المقابل هناك العديد ممن يسعون بعناد لأجل حماية حرياتهم الاجتماعية، فضلا عن حماية وحدة سوريا و كرامتها. المعسكر الأول ذو قيادة منقسمة إلى حد كبير. المعسكر الثاني موحد وراء زعيم واحد مدعوم من قبل جيش قوي. ولن يستطيع أي طرف هزيمة الطرف الاخر. أما الخيارات المطروحة فهي إما الحرب الأهلية، و إما حرب إقليمية، و إذا رغب السوريون في تجنب هذين الخيارين، فليس هناك سوى الحوار و الوصول إلى حكومة ائتلاف وطني.

صيغة الحل المنطقي يتطلب من الرئيس الأسد تفويض الكثير من مسؤولياته لرئيس مجلس وزراء قوي ومؤهل وغير بعثي. وبما أن الرئيس، وأجزاء من النظام الحالي، على درجة عالية من المهارة والخبرة في السياسة الخارجية ومسائل الأمن القومي، فإنهم يجب أن يبقوا مسؤولين في تلك المجالات. محاربة الفساد وادارة حكومة أنظف وأكثر شفافية وأكثر خضوعا للمساءلة وأكثر كفاءة ينبغي أن يكون من مسؤولية رئيس الوزراء الجديد وتشكيل حكومة ائتلاف وطني مخولة للمرة الأولى منذ عقود، للتصدي بجدية للتحديات الخطيرة التي لا تزال دون معالجة. بهذه الطريقة يمكن للرئيس التركيز على أولوياته، والسماح لممثلي الأحزاب المنتخبة في البرلمان للتعامل مع كل شيء آخر. أما جيش سوريا القوي و العلماني يبقى حامي العلمانية تماما مثل الجيش التركي الذي حمى العلمانية لعدة عقود منذ أن تم تطبيق نظام حكم ديمقراطي في تركيا.

الإصلاحات السياسية يجب أن تتم، وبشار الأسد، وبعيدا عن الشخصية المثالية بعيون أنصاره، ما زال هو الزعيم الوحيد الذي يمكن أن يقود انتخابات حرة في سوريا. يجب على المعارضين المعتدلين والعلمانيين استرداد الثورة من المتشددين و المسلحين , وأولئك الذين يهتمون بصدق بشأن الاستقرار والاصلاحات الديمقراطية في سوريا يجب ان يتوقفوا عن دعم المعارضة لأجل المعارضة، وبدلاً من ذلك عليهم الاعتراف وتمكين المعتدلين من جانب النظام والمعارضة على حد سواء.

استمرت الأزمة السورية 13 شهرا حتى الآن. خسر حوالي 9000 من السوريين حياتهم. في المقارنة، استمرت الحرب الأهلية في لبنان 13 سنة، والمشروع الأميركي في إرساء الديمقراطية في العراق انطلق منذ عام 2003. مئات الآلاف لقوا حتفهم في كل من الدول المجاورة المشابهة لسوريا. هناك نوعان من الدروس التي يمكن استخلاصها من تجارب القيمة والمكلفة في التغيير على حد سواء: أولا، الدين والديمقراطية لا يجتمعان في مجتمعات الشرق الأوسط الشديدة التنوع, وفي البلدان التي تكون فيها الطوائف مختلفة و مرتبطة بعلاقات خاصة مع القوى الإقليمية المختلفة. ثانياً، التغير يستغرق وقتا طويلا. و لا ينبغي لنا أن نعقد آمالا كبيرة بصورة غير معقولة حول تصورات حالمة أو مثالية لن يمكن لأي جهة أن تنفذها.

واليوم، النهج الوحيد البنّاء و الإيجابي، يكمن في ترك نبش الماضي، و في التعاون لأجل محاولة اختصار الطريق الطويل و الصعب الذي ينتظرنا جميعاً، نحو إعادة الاستقرار إلى سوريا.

30 نيسان، 2012 – مقالة بقلم كميل أوتراقجي

ترجمة: خارج السرب.



Comments (0)


There are no comments for this post so far.

Post a comment