News and Opinion:
تاملات في قضايا اعادة الاعمار في سوريا بعد فترة الحرب

الأولوية القصوى:

ان عملية التخطيط والبناء تقتضي، في ظروف طبيعية، وجود منهجية متشعبة للغاية. ومهمة كهذه تصبح شاقة بعد سنوات من الصراع الأهلي الدموي. لذلك يجب أن نجعل إعادة البناء حافزًا رئيسياً لإعادة تكوين النسيج الإجتماعي. و إن لم نفعل ذلك فهذا  سيقود الي فتح الجروح المندملة و عودة اللجوء الى العنف. و بالتالي ، يجب ان نتبع نهجاً بنّاءً على أساس لا غالب ولا مغلوب . و في هذا الإطار  لدينا في الواقع  فرصةً ثمينة، و هي ان نجعل من اعادة الإعمار وسيلة فعّالة ليس فقط  لوقف هجرة الأدمغة بل أيضاً لعودة هذه الأدمغة وبقائها في الوطن للمساهمة في نهضة البلاد. و هذا امر ملح.

Ziad Elias Demian

نحو تجديد الهوية – وجعل أعاده الاعمار عملية محورها الطابع السوري

غني عن القول ان لدى سوريا عددا من المواقع المرموقة عالميا و التي لا شبيه لها من حيث القيمة الحضارية .  هناك اضرار كبيرة قد حصلت و هي مستمرة، ليس فقط بسبب الحرب بل ابضا بسبب السرقة و النهب. و الاهم من ذلك ان التدمير المقصود لمعالم الحضارة السورية يجعلنا نفكر بوجود مخطط واضح لتحطيم الروح والمعنوية السورية.  ومن المعروف تاريخيا ان سوريا هي مهد لحضارات متعاقبة وذلك منذ الالفية الثالثة قبل الميلاد.

والجدير بالذكر ان جعل محور اعادة الاعمار يدور حول طابع سوريا الفريد ليس فقط كمفهوما سياسيا و اقتصاديا بل هو، قبل كل شيء، مفهوم حضاري و ثقافي بامتياز. و في هذا الاطار من الاساسي انشاء ممارسات تاخذ في الاعتبار ضرورة التركيز عل رؤية سورية بحتة.  وهذا يعني، بجميع اشكال الوعي، ان نؤمن ايمانا راسخا ان الحضارة السورية مرموقة و جديرة بالاستمرار، و ان عليتا ان نصونها و نحافظ عليها. وباعتبارنا قيمين على هذا الإرث الحضاري من واجبنا ان نعمل بشكل حثيث و بروح من المسؤولية التامة في انجاز عملية إعادة االاعمار.

فيما يتعلق في المواقع ذات الاهمية التاريخية هناك قضيتان اساسيتان لا بد من التركيز عليهما وهما:

أولا–  تحقيق اجماع على قيمة الموقع التاريخية و ضرورة الابقاء عليها، بحيت تكون اعادة الاعمار منسجمة مع اهمية الموقع. و هذا بقتضي معرفة بالواقع المحلي و وجود مهارات محلية تترقى ما تستحقه و تتم المحافظة عليها داخل الوطن.

ثانيا – و من هذا المنظور يجب ان تكون اعادة الاعمار عملية فنية بحتة بعيدة عن السياسة. كذلك يجب ان يكون الهدف الرئيسي تحقيق المشروع كما يجب و هذا يعني ان الربح الممكن تحقيقه من تنفيذ المشروع يصبح ثانويا” و بعيدا” عن اي نوع من انواع الفساد. و من الامثلة على ذلك ان يتم الفصل بين الهيئة المسؤولة عن تحديد الاولويات و الهيئة المسؤولة على اعداد عناصر و شروط المشروع  و الهيئة المسؤولة على التنفيذ الفعلي. و هذا يعني وجود ثلاث مستويات في تنفيذ المشروع.

و بشأن المواقع التي ليست لها اهمية تاريخية ، و هناك مواقع كثيرة من هذا النوع،  فهي تشكل فرصة للإستثمار و تطبيق التكنولوجيا الحديثة. و لكن يجب ان يتم ذلك بعيدا عن المحاكات العمياء ومع نماذج ابداع تكون عمليا” منسجمة مع  الروح السورية.  و الجدير بالذكر ان من الضروزي تفادي الأخطاء التي وقعت فبها بعض بلدان المنطقة. اما التحدي الذي تواجهه عملية اعادة الاعمار فهو ان نجعلها جزءا لا يتجزء من ذهنية جديدة تدرك اهمية النهج الملائم لبناء سوريا الغد. بالاضافة الى ذلك، انها فرصة ثمينة لانشاء  اسلوب حياة جديد يكون متفقا” مع الروح السورية وفي الوقت نفسه مع الخصائص الإجابية للحضارة العالمية.

 اما فيما يتعلق بالمناطق االهجينة عمرانيا”، فالنهج المعقول هوالقيام، بقدرالامكان، على الإستعادة من هوية وطابع المناطق والاحياء و الأبنية المتضررة طالما انها تحمل قيمة حقيقية وواضحة. وفي الوقت نفسه العمل على تشجيع وجعل التدخلات أو المبادرات المعمارية القادمة حديثة وعصرية، لائقة و متناسقة، متباينة لكن مكملة، وذلك بشكل يزيد من قيمتها ومن إمكانية التفاعل بين الجديد و المرمم بحيث يتم إنتاج نسيج عمراني مميز. و هنا، من الجدير بالذكر ان ليس كل شيئ قديم يعني بالضرورة انه قيم. كذلك علينا ان نأخذ في الإعتبار أن الإثر السحري لعامل الزمن و الصبر في الجهود لم يعد متوفرا” في هذه الأيام التي يقل فيها التركيز الفكري، فالحياة اليومية أصبحت مبنية على توخي نتائج سريعة منها إشباع الرغبات الفوري.  وهذا يشكل عقبة يصعب تخطيها الى حد كبير. فالهدف هنا ان نجعل من ما هو مهما” بالفعل أمرا” ذا أولوية بدلا” من تكاثر الأولويات. و الأرجح أن معظم مشاريع اللإعمار ستنفذ في هذه المناطق.  و ما أن نبدأ عملية إعادة الإعمار حتي تظهر جليا” مختلف العناصر و العوامل و الفعاليات التي تحتاج الى الكثير من التصميم والتنسيق والتوقيت و غيرها من الخصائص ذات الصلة.  والمرتقب في هذا الإطار حدوث تحول نموذجي تكون جذوره متأصلة في الحضارة و السورية.

 و بما يتعلق في تمويل إعادة الإعمار ولتفادي شروط إقتصادية انتهازية، ينبغي الإعتماد علي التالي:

  1. من الأساسي أن تكون الأموال المقدمة من بلدان معينة، في الدرجة الأولى، على شكل منح تكون بمثابة تعويض عما حصل من دمار.
  2. الحصول على قروض بشروط ميسرة، أي مع فترات سماح طويلة و فوائد متدنية
  3. إطلاق حملة عالمية تبين فوائد الإستثمار و تشرح الآثار السلبية الوخيمة لعدم القيام بهذه الإستثمارات.
  4. جعل المساهمة في أعاده الإعمار خدمة إلزامية يمكن أن تكون، مثلا”، على شكل ما يجري في الولايات المتحدة حيث يلزم طلاب المدارس الثانوية على تأدية 100 ساعة من الخدمة الإجتماعية موثقة بشكل جدي قبل التخرج.
  5. تنشيط الرأسمال السوري، الداخلي والخارجي، للإستثمار والقيام بدور قيادي في حركة التعمير المرتقبة. إن هذا الموضوع الحيوي يقتضي إتباع معايير من قبل الحكومة لبناء الثقة و إنشاء منهجية حكم يتم توضّحها لأصحاب الشأن و مدعومة بالمسؤولية والإلتزام.

بالنسبة للمشاركة والإستفادة من الرأسمال السوري،في هذا الإطار،يمكننا القول أن الروح الوطنية والمسؤولية المدنية غير كافيتبن لتحقيق الأهداف المرجوة. لذلك يجب على الحكومة أن تبتكر حوافز جريئة و طويلة الأمد من النوع الذي أثبتت جدارتها كالحوافز التالية:

  • إعطاء أولوية مقرونة بإمتيازات خاصة للسوريين بشأن فرص الإستثمار.
  • إتباع سياسة تخصص حكما” للسوريين أقساما” محددة من العمل المتصل بإعادة الإعمار. ومن هؤلاء، على وجه الخصوص، الذين ضحوا ودفعوا ثمنا” باهظا” خلال الحرب.
  • إتباع تمويل يرتكز على مرحلية الضريبة (programs TIF) أو الإعفاءات الضريبية ، أو تقاسم الإيرادات الضريبية بين المستثمرين و الحكومة.
  • قيام الدولة بتقديم الأراضي اللازمة للمشاريع بشكل مجاني أو بثمن منخفض جدا” أو على شكل إيجار ميسر لأمد طويل
  • مشاركة الحكومة في الإستثمارات عن طريق البنية التحتية.

زياد الياس دميان



Comments (0)


There are no comments for this post so far.

Post a comment