أولا:في تاريخ الأهمية الخاصة لمؤسسة(الجيش العربي السوري):
هناك استحالة في الحديث عن التاريخ السوري المعاصر على مدى الفترة التي تفصلنا ولحظة الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي(حوالي سبعين عاما)من دون تناول المؤسسة العسكرية(الجيش) كعنوان أول وأساس في ذلك التاريخ،ليس فقط من منظور منهجي بأولوية أهمية الجيش في حياة أي دولة لا على التعيين،أو لأننا في سوريا نمثل نموذجا من العالم الثالث مفتاح فهم تطوراته السابقة والمحتملة هو الجيش،إنما وبالإضافة لذلك الأهمية الخاصة لتاريخ هذه المؤسسة ودورها،وتجب الإشارة إلى المسائل التالية:
1- عدد كبير من الانقلابات العسكرية التدخلية في الحياة السياسية السورية،بوتائر زمنية عالية،ليس فقط من منظور تطلعات قادة عسكريين ذوي طموح،بل أساسا كأداة تفاعلية تعبيرية عن موازين القوى في المجتمع والدولة،ومن أكثر الشخصيات شهرة في التاريخ السياسي السوري بالاضافة لقادة الأحزاب ورؤساء الجمهورية والبرلمانات كانوا قادة الإنقلابات،ورؤساء الأركان،وتركيبة الضباط العسكرية التي فرضت نظام الوحدة مع مصر،ثم اللجنة العسكرية بعد سقوط الوحدة ودورها في الانقلابات والحياة السياسية اللاحقة(انقلابات فاشلة خلال الانفصال،ثم\8آذار\18تموز\23شباط\16 تشرين الثاني) وحتى بعد استقرار النظام السياسي باستقرار السلطة مباشرة بعد الحركة التصحيحية بقيادة الجنرال وزير الدفاع(حافظ الأسد)،ملأ الجيش ومراكز القوى فيه،وأهم قادة الوحدات ذات التركيبة والدور الخاص،وقادة الأجهزة الأمنية(سرايا الدفاع،سرايا الصراع،الوحدات الخاصة”المظليين”قوات القصر.)ملأ الحياة السياسية والدفاعية والأمنية بكل التفاصيل الأساسية،ولو ذكرنا الآن مجموعة هذه الأسماء لمرحلة عدم الاستقرار والمرحلة التالية لحصلنا على لوائح طويلة حقا.
2- ومن اللحظات الأولى لبناء الجيش الوطني،احتل مكانا خاصا جدا في اعتماده كأهم وسيلة في مسألة الطاقة الجيوسياسية السورية والنفوذ الإقليمي،بشكل خاص بسبب التناقض القومي والوطني مع الكيان الصهيوني،حروب\1967\1973\1982\وكذلك لتنفيذ سياسات في ذلك الإطار،التدخل الجزئي والتهديد بالتدخل الواسع في الأردن لصالح المقاومة الفلسطينية\أيلول 1970\التدخل في لبنان\حزيران1976\ وحشد قوات واسعة على الحدود العراقية\خريف1976\المشاركة مع القوات الدولية باسم تحرير الكويت،الحشود المتكررة على الحدود التركية،أشهرها\أواخر 1999\ بسبب العلاقة مع حزب العمال الكردستاني وقضية المياه.
3- الدور الداخلي الحاسم في أكثر من موجة صراع تحديدا مع الحركة الدينية،الأخوان المسلمون وطليعتهم المقاتلة\نهاية السبعينات أواخر الثمانينات\ وموجة الصراع القائمة حاليا.
4- أما المسالة اللافتة في أهمية المؤسسة العسكرية السورية(الجيش) فهي تفردها في القدرة والوضوح الشديد في التعبير عن التطورات الاجتماعية-الطبقية،والسياسية للفئات البينية(البورجوازية الصغيرة والوسطى)،وسياقات تناقضاتها وصراعاتها مع الطبقات والفئات الأخرى(الرأسمالية والإقطاع)خاصة في أهم قضيتين:المسألة الزراعية،والقضية القومية،إذ بدءا من السنوات الأولى لتشكيل الجيش الوطني،سنلاحظ ضعف اهتمام الفئات الرأسمالية والاقطاع المستنير بالجيش،وتركيز الاهتمام على الاقتصاد،والحياة السياسية التقليدية والبرلمانية لتأمين تلك المصالح والتطلعات الاقتصادية،بينما ركز القادة السياسيون لأحزاب الفئات الوسطى على المؤسسة العسكرية،والقدرات المتاحة لها في فرض التطورات والنفوذ،أشهر أولئك القادة هم من وحدوا عدة أحزاب ومجموعات في حزب البعث(أكرم الحوراني،ميشيل عفلق،البيطار،الأتاسي،الغانم)حيث نسجوا علاقات تأثير مبكرة على قادة عسكريين في رئاسة إدارات ووحدات الجيش،أشهرهم عدنان المالكي،وخليل كلاس،وقنوت .الخ وراحوا يشجعون ويدفعون بأبناء البورجوازية الصغيرة الريفية أساسا إلى الكلية الحربية وبقية الوحدات،لينتقل نفوذ حزب البعث بصورة فعالة جدا إلى الجيش،ليساهم بقوة،وليمسك لاحقا بكل الانقلابات العسكرية،وليفرض عبر الجيش الكثير من القوانين في المؤسسات التشريعية،وكذلك أهم التطورات السياسية،واستمرت علاقات التمثيل الاجتماعي – الطبقي – السياسي بعد ترسيخ نموذج بورجوازية الدولة البيروقراطية،والتوسع الهائل في الدولة والجيش بخاصة،ليصبح الجيش بتركيبته وبنيته،وتضخمه،والعقيدة التي بني عليها،وتحولات مراكز النفوذ،دوره في الصراعات الداخلية والاقليمية خاصة مع الكيان الصهيوني،ليصبح أهم تعبير شامل في مختلف الميادين،خاصة التعبير الحاسم عن العلاقة بين السلطة والدولة،والعلاقة بين الاجتماع السياسي الاقتصادي،والسلطة والدولة،بما فيه التناقضات والصراعات بين الفئات البينية المختلفة،واتجاهات تفكيرها السياسي والاجتماعي.
ثانيا: ما هي الأسباب التي تجعل دور الجيش القائم حتميا في الخروج من الأزمة،وحتميا في المستقبل السوري؟!
-1- تلك الأهمية وذلك التاريخ الذي كثفنا بعض أهم محطاته في الفقرة السابقة،والذي أسس لأهمية دور الجيش وفعله بعد انطلاق أحداث\آذار\\2011\ويؤسس لدوره الحتمي في المستقبل.
-2- على الرغم من التطورات التي حصلت على نموذج بورجوازية الدولة،والتراجع الكبير في قاعدته الاجتماعية من الفئات البينية لصالح الفئات الرأسمالية الكبيرة الجديدة،مع الانتقام والتدمير والتحويل الكبير في فئة الرأسمالية التقليدية “المتدينة” من قبل السلطة والنظام،خاصة بعد دورها في تشكيل قاعدة اجتماعية للأخوان المسلمين،ومحاولاتها التضامنية معهم،وعلى الرغم من التراجع الشديد في لياقة الدولة بمختلف مؤسساتها بما فيها الأمن والجيش،وتقدم البيروقراطية والإهمال والفساد والاسترخاء بالشعور بالأمان، على الرغم من كل ذلك اتضح من أداء الجيش في الأزمة أنه لا يزال الأداة الحاسمة في الصراع ،ولا يزال الأكثر وضوحا في التعبير عن الصراعات الاجتماعية- السياسية،واستعدادا للوصول بها إلى النهايات الأقصى دفاعا عن القوى التي يمثلها عضويا بصورة أساسية،أو بالنيابة.
-3- وهذه القوى هي:السلطة السياسية بما فيها ما هو داخل الجيش،وقوة السيطرة الاجتماعية الطبقية من خلال التطورات التي جرت على بورجوازية الدولة ومساهمتها الهائلة في تشكيل عدة فئات رأسمالية كبيرة ومتوسطة ذات علاقة ارتباط عضوية بالنظام والسلطة،وكذلك أخيرا مع ضرورة الاعتبار الهامة للعدد الهائل من العاملين في الدولة ومؤسساتها،على رأسها المؤسسة العسكرية،وعلاقة ارتباط المصالح المعيشية والوجودية الحياتية خاصة بعد انطلاق الأزمة وتفاقمها.
-4- وتشكل لدى تلك القوى وعي تطوري هام جدا تجاه أهمية استمرار الدولة،ليس فقط بسبب علاقة الارتباط وابتلاع السلطة للدولة،بل أساسا من وعي أهمية الدولة في تأمين المصالح والوجود الحياتي والاستقرار واستمرار التعايش،واستمرار وحدة الوطن،وذلك على الرغم من الطبيعة الديكتاتورية والاستثنائية للسلطة وعلاقة ابتلاع واحتكار الدولة،ذلك الوعي عبر عن نفسه بصورة أساسية ودائمة بالتركيز على الجيش ودوره التمثيلي والحمائي،والجيش بدوره عبر قيادته التي لعبت دائما دورا كبيرا في قيادة السلطة،وكذلك عبر وعي عدد هائل من العسكريين وأسرهم،وعي واضح أو عفوي بأهمية استمرار دور الجيش.
-5- المستوى العالي من التماسك الذي أبداه الجيش في السنوات الثلاث الماضية،وذلك مقارنة بظاهرة الانشقاقات التي خرجت منه،وبقية الظواهر العسكرية المضادة له،وكل ذلك مقارنة أيضا بالتوقعات التي طرحت
حول حتمية تمزقه وانشقاق وحدات واسعة منه،وعدم قدرته على الاستمرار متماسكا بالحد الأدنى على ضوء تجارب بعض بلدان الربيع العربي،وعلى ضوء الجهود الخارجية العالمية الأمريكية والأوروبية والإقليمية،وكل الدعم للمعارضة المسلحة،وكل الإغراءات للعسكريين داخله من أجل الانشقاق،أو الانحلال والانفراغ.
-6- ليس هذا فحسب بل تجب الإشارة إلى أن ظاهرة الانشقاق عن الجيش لم تتجاوز بضعة مئات من الضباط من مواقع ووحدات ليست أساسية في القتال،وكحد أقصى عدة آلاف من رتب أخرى،وبقسم منها اضطرت للإنشقاق تحت التهديد والابتزاز بممارسة عقوبات على أسرهم وعيهم أثناء الإجازات،وهذه الأرقام لا تشكل شيئا عميقا ومؤثرا بقوة على تماسك الجيش وأدائه لدوره،مقارنة بعشرات الألوف من الضباط ومئات الألوف من الرتب الأخرى،وإذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة قيام ظاهرة الانشقاق عن الجيش على أسس الشحن الطائفي بصورة شبه مطلقة،إذ نادرا جدا ما عرفنا حالات انشقاق من تعبيرات مذهبية متعددة،وتمثل تعبيرا وطنيا ديموغرافيا متوازنا أو طبيعيا،كما توسع ما سمي بالجيش الحر لاحقا من المدنيين وليس العسكريين على تلك الأسس الطائفية،بذلك نستطيع أن نجزم بأن الجيش كأداة وظاهرة فعل وطني شامل سيكون لها الدور الحاسم،وسيكون لها المستقبل مقارنة بالظواهر الأخرى الداخلية ،عداكم عن الظواهر الارتزاقية في صفوف المعارضة المسلحة.
-7- بعد التطور المتسارع لأحداث\آذار 2011\ وتحولها إلى حالة أزمة وطنية مستعصية على الاستراتيجيات والوسائل العسكرية العنيفة،وبعد الآثار المدمرة في كل الميادين قاطبة،وبشكل خاص بعد السويات الخطرة للتدخل الخارجي في سوريا والارتهان الشديد للعامل الخارجي،والخوف العميق من احتمالات تطور تدميرية على مستوى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي،والخوف على الدولة وكيانها بالمعنى الأساسي،والخوف من الانزلاق إلى الحرب الأهلية الطائفية،والعمل الأمريكي والغربي والخليجي والتركي الشامل على استمرار الدمار الذاتي،والتزايد الهائل بعدد نقاط الاشتباك المسلحة للجيش (يقال أنها بلغت في بعض الأحيان ثلاثة آلاف نقطة)
والسلوك الذي أبدته وحدات الجيش في انتشارها وقتالها،في الحصار الشديد وطويل الآجال أحيانا للكثير منها،واستحالة إدارتها مركزيا من قبل السلطة السياسية،وحتى غرفة العمليات العسكرية والأمنية،لاحظنا أنها بصورة عامة وفي مجمل محصلة أداء الجيش قد أبدت وأظهرت العديد من السمات الرئيسية الهامة جدا وذات الدلالات الكبيرة في تحولات الجيش بالاتجاهات الوطنية على حساب الاتجاهات السلطوية،وأهمية دوره الراهن والحتمي المستقبلي على المدى القريب والمنظور في الخروج من الأزمة واحتمالات التوافق عليه،وكذلك المستقبل الأكثر بعدا والدور الاستراتيجي الجيوسياسي لسوريا،والقضايا الوطنية الكبرى،مثل قضية الأراضي المحتلة وغيرها.
-8- وعلى الرغم من حقيقة وجود وقائع وممارسات سلبية من قبل الجيش ووحداته العسكرية المنتشرة،وقائع تتعلق بالأداء العسكري البحت والآثار السلبية للقصف واستخدام وسائل عسكرية يصعب فيها التمييز بين الأهداف فتطال المدنيين،وكذلك بسبب وجود عدد من الضباط السلطويين في الحلقات الوسطى لتنفيذ الخطط العسكرية التقنية والحمائية وإدارة المناطق،مما يعطي الفاسدين والطائفيين والانتقاميين منهم هوامش ممارسات سيئة وضارة جدا في مواقع عديدة،وعلى الرغم كذلك من إمكانية إبداء ملاحظات على غرف العمليات العسكرية وأدائها الخاطيء،والتكاليف الزائدة المدفوعة لاحقا،وكذلك ملاحظات على الدور المعطى للجهات الأمنية وضباط هذه الأجهزة،النفوذ الأعلى والتطاول على الجيش ووحداته وضباطه،على الرغم من كل ذلك،وفي المحصلة العامة يبدي الجيش العربي السوري الآن في قلب الأزمة ومخاطرها المتفاقمة عددا من الممارسات والسمات الرئيسية التي ستساهم بصورة إضافية وحاسمة في دوره الرئيسي في أي لحظة من مستقبل الوطن السوري،ومن أهم هذه الممارسات والسمات:
-(آ ) من المهم التأكيد أن مجمل الممارسات السلبية الناجمة عن نشاط الجيش لا تقوم على أساس منهجي راسخ مهما أبدينا ملاحظات معارضة نقدية على السلطة،وهي ممارسات ونتائج غير مباشرة،كما أنها لا تشكل المحصلة الأساسية الفاعلة في أداء الجيش،أو محصلة تأثير أدائه للمستقبل،وهي تفاصيل وممارسات محتملة وممكنة وطبيعية بسبب بنية السلطة،وأساسا بسبب ذلك الانتشار المخيف والذي يبدو لا مثيل له في صراعات سابقة،فيظهر ثانويا أمام المحصلة الرئيسية الإيجابية.
-(ب) الحرص الدائم على التصرف العام والتفصيلي من منطلق كونه الأداة المركزية المسؤولة عن استمرار الدولة بمجمل مكوناتها وشروط وجودها(جغرافيا،سيادة،أمان عام،وحدة شعب ..الخ)،فنلاحظ مثلا أن الجيش لا يملأ فقط فراغ الوجه المتعلق بالسيطرة العسكرية،بل يؤمن فورا ملأ فراغ الدولة ومؤسساتها وعملها والوجه الحمائي للموظفين.
-(ج)الحرص الدائم على تأمين الحواجز والطرقات الواقعة تحت سيطرة الجيش،وحركة تنقل الأشخاص عليها بالاتجاهين بدون تمييزات من أي طابع،إلا فيما يتعلق بالأشخاص المطلوبين أمنيا،بينما وبالمقارنة على الحواجز الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة فإننا نجد كل التمييز الطائفي المذهبي والأقلياتي والسياسي،بحيث تبدو أنها حواجز باتجاه واحد،حتى أنه من المضحك المبكي فيما يتعلق بالنخب الباقية داخل الوطن،والتي لا تزال تحسب نفسها على”صف الثورة”،هذه النخب لا تستطيع ولا تجرؤ على الدخول شبر واحد داخل جغرافيا تلك “الثورة”،أمامها الموت أو الخنوع بأي نشاط ديموقراطي،أو تنويري،أو حقوقي،بينما تمارس تعايشها ونقدها المعارض على النظام والسلطة السياسية بأشكال عديدة مقبولة جدا على الرغم من بعض أشكال القمع السلطوي والجيش على حواجزه لا يزال جاهزا لتأمين دخولها إلى مناطق”الثورة” دون أن يعرف إلا أنهم أشخاص من الوطن كغيرهم.
-(د )الاستبسال الفعلي في أي موقع عسكري،حتى ولو كان معزولا لزمن طويل،استبسال من أجل القيم الوطنية وقيم وأسس مفهوم الدولة والوطن،ولا يزال الجيش جاهزا للإستبسال خاصة في معارك فعلية أو محتملة للدفاع عن الوطن ضد تدخلات عسكرية خارجية،ضد أعداء طامعين ومحتلين فعليين(صهاينة ونظام تركي)وتهديدات أمريكية غير متوقفة،القصف الاسرائيلي المتكرر وصولا للجولان،التدخل التركي،استمرار عمليات الجيش السوري مع كل احتمالات تطور الصراع مع النظام التركي،وإذا أبدينا أي ملاحظات على هذا الصعيد فهي ملاحظات تتعلق بأداء النظام والسلطة السورية والحسابات التكتيكية أو الاستراتيجية الخاصة بها،ولا تتعلق بأداء الجيش واستعداده وشجاعته.
– (ها) إن ممارسات الجيش،وتقدم وجوه الأداء الوطني أكثر مما هو سلطوي،خاصة أداء تعزيز دور الدولة،هذا خلق وعيا جديدا إيجابيا تجاه الجيش ودوره على العموم،مما أثر بصورة قوية وملموسة،إن لم نقل أنه أوقف ظاهرة الانشقاقات في الجيش،أو أنها لم تعد ذات أهمية أبدا،وفي المقابل رفع من مستوى اندفاع التحاق الشبان المطلوبين للخدمة العسكرية إلى صفوف الجيش،أي التراجع الشديد في ظاهرة التهرب من الخدمة،وعلى الصعيد الشعبي والاجتماعي تصاعد الوعي المتعلق بدور الجيش،وضرورة دعمه وتعزيزه،وكذلك تصاعد الوعي بأهمية الدولة والمطالبة الصريحة بعودة دورها إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
ثالثاً:مقاربة وتصورات أساسية في دور الجيش القريب والمستقبلي ،أهم قضايا الأزمة،والقضايا الوطنية الكبرى:
أولا:وعلى ضوء ما سبق نستنتج :
-1- دور الجيش حتمي في الخروج من الأزمة والحلول المطروحة في ذلك(سياسية أم عنفية).
-2- سيكون الجيش بذلك واحدة من أهم قضايا الحوار والتوافق لتجاوز المرحلة الانتقالية،وسيكون من شبه المستحيل أن يكتسب ذلك الحوار بشكله ومحتواه،وما سيستقر عليه أي طابع كلاسيكسي في دور المؤسسة العسكرية الحيادي،الجيش الآن وفي أي مرحلة قادمة،مهما كان طابعها سيبقى قوة وطرفا استقطابيا،ولن يكون مجرد طرف أو أداة تابعة للسلطة لتنظر هي له فقط من منظور المصالح الضيقة في أي وضعية محتملة من اقتسام الكعكة،بل سيفرض عليها وعلى الجميع بقاء دوره فيما يتعلق بموضوع الدولة،وفيما يتعلق ببقاء دوره في القضايا الوطنية الكبرى(السيادة،الأراضي المحتلة،إعادة الطاقة الجيوسياسية والنفوذ الإقليمي من خلال الصراع السياسي مع الخارج)
-3- ومع الأخذ بعين الاعتبار استمرار طابع السلطة القائمة كسلطة قمعية واحتكارية،أدارت الوطن والأزمة بصورة متفردة متسببة في العمق بتحضيرات فعلية للأزمة في إطار مسؤوليتها،وكذلك الأخذ بعين الاعتبار أنها ليست سلطة مقاومة،بل سلطة ممانعة،وأن نهجها والوسائل التي اتبعتها في تناقضاتها وصراعاتها في القضايا الوطنية لم تكن راديكالية،بل كانت وسطية مع عدم التفريط الاستراتيجي بأ قضية أساسية،على الرغم من كل هذه الملاحظات وغيرها مما يمكن إبداءه،فمن الواضح حتى في المدى المنظور أنها(السلطة القائمة)غير ماضية في طريق اقتسام الكعكة والمتاجرة بدور الجيش،لا تزال السلطة تعمل من منظور الإمساك بالدولة،والسيطرة على كامل الجغرافيا الوطنية وإعادة الدولة إليها،ولا تزال في موقع غير المساوم على القضايا الوطنية الكبرى كقضية السيادة والأراضي المحتلة ودور الجيش،ولا تزال جزءا من تحالف على خط تناقضي وصراعي مع الكيان الصهيوني وحلفائه،وكذلك مع النظام التركي على الرغم من غفلاتها القاتلة في كامل العلاقات السابقة معه،هو من باعها من أجل مطامعه الاستراتيجيةنهذا الوضع سيبقي العلاقة العضوية التفاعلية وذات التأثير المتبادل في مجمل الميادين الرئيسية قائمة بين السلطة والجيش.
-4- ومن العوامل الأساسية التي تفرض تلك العلاقة المشابكة مع السلطة والدور الخاص للجيش طبيعة الطرف الآخر الإيديولوجية والسياسية،وممارساته تجاه قضية الدولة،ولعبه دور الأداة في تدمير الدولة والجيش،أداة لقوى خارجية لها مطامح وآمال قديمة لتدميرهما،وهذا بدوره يحفز على التماسك ومواجهة الطرف الآخر.
-5- وبشكل خاص تفرض طبيعة الطرف الآخر(المعارضة المسلحة)بنيته وتناقضاته ونهجه،وإصرار بعض أكثر أطرافه الفاعلة على الاستمرار بسياسة كسر العظم العنيفة لإسقاط السلطة،يفرض وسيفرض مستقبلا أهمية إضافية لدور المؤسسة العسكرية في حماية العملية السياسية التوافقية،من خلال الاستمرار في المواجهة العسكرية مع تلك الأطراف التي ستستمر في نهجها وطبيعتها التي بدأت من فترة تمثل جبهة أصولية فاشية،تفرض ضرورة وجود جبهة اجتماعية وشعبية لمواجهتها وهزمها،والأهم من ذلك أنها تفرض ضرورة وجود قوة عسكرية منظمة متماسكة،ذات خبرة وطابع وطني لمواجهتها وهزمها عسكريا وجسديا بصورة فعلية.
-6- وإذ كنا متأكدين أن مجموع أطراف المعارضة المسلحة،والمتواطئة مع العنف والأصولية،حتى تلك الأكثر ادعاء فيها أنها معتدلة(كما يروج لها المركز الأمريكي والغربي والإقليمي) كالجيش الحر،كل هذه الأطراف ستطلب،ستحاور وستفاوض على التغيير الشامل لدور المؤسسة العسكرية،وعلى الدور الندي بين مجموعاتها المسلحة والجيش مستقبلا في أي حلول،أي أنها ستساوم من منظور طموحات وآمال الخارج في التغيير الشامل لبنية وطبيعة ودور الجيش،وخاصة في قضية الصراعات الاستراتيجية والقضايا الوطنية الكبرى،وستحال كل هذه القضايا لمستقبل الانتخابات والصندوق والأكثرية والأقلية ووضعية الدمار والإنهاك في الجيش وغيره من الظواهر المسلحة الأخرى،بالتالي استعداد كامل لكل التنازلات المطلوبة في الحقل الجيوسياسي والنفوذ الإقليميي والسيادة،كل هذا سيعقد العملية السياسية جدا،سيؤجل طويلا أي إمكانية توافقية فعلية فيها،وسيحفز دائما على استمرار الصراع المسلح،حتى مجمل الادعاءات بالاعتدال،ومحاربة الإرهاب والتطرف نراها بوضوح شديد أنها غير عميقة وغير جدية،نراها متواطئة ،وتعمل فعليا حتى الآن في إطار استراتيجية خارجية للتدمير الذاتي في سوريا،بالتالي تدمير الجميع على رأسهم المؤسسة العسكرية،وكل هذه الحقائق الواضحة تفرض ضرورات إضافية على دور الجيش،اما في حال ظهور انزياح أمريكي جدي في الموقف تجاه الأصولية الفاشية،فإنها ستجد نفسها هذه المرة بحاجة ماسة لدور الجيش الحاسم في هذه القضية بالمقارنة مع الدور التافه الذي ستلعبه القوى الحليفة لها على الأرض(وأفضلها الجيش الحر)الذي سينقسم بصورة إضافية،وسيتم ابتلاعه أكثر فأكثر بحكم طبيعة بنيته غير الوطنية في التمثيل الديموغرافي،وبحكم استعداد تلك البنية والتركيبة لأن تؤكل وتذوب في القوى الأصولية ذات المشاريع السياسية والإيديوجية،وكذلك أن تستقطب انتهازيا ونفعيا وسياسيا وفكريا بين السعودية وأمريكا وقطر،والآن اسرائيل على ما يبدو.
ثانيا:الدور الانتقالي للجيش(وجهة نظر قوى التغيير السلمي):
– بالتأكيد سيكون الجيش موضوع حواري وتفاوضي،مع بقية الظواهر المسلحة المستعدة لدخول العملية السياسية هي،أو التعبيرات السياسية التي تدعي تمثيلها.
– الإصرار على إبقاء الدور المركزي والحاسم للمؤسسة العسكرية الرسمية والشرعية (الجيش العربي السوري)في أساس بنيته وتركيبته ونهجه في قضية الدولة،والسيادة الوطنية،والدور المركزي في الدفاع عن الوطن وتحرير الأراضي المحتلة،ومواجهة أي عدوان خارجي.
– الإصرار على إبقاء الدور المركزي له في مواجهة الجبهة الأصولية الفاشية من منظور عسكري.
– إيجاد حلول لبقية الظواهر المستعدة لخوض العملية السياسية التوافقية في إطار العودة والذوبان في الجيش(العسكريون منهم فقط) مع الاستبعاد المطلق لأي عسكري من رتبة ضابط دخل في عمليات نقل معلومات للخارج،أو تعاون مع الكيان الصهيوني،أو النظام التركي.
– التأكيد على دور عدم التدخل في الحياة السياسية الداخلية،إلا في حالات إعادة إنتاج الأزمة،والصراعات العنيفة الداخلية،أو محاولات تغيير دوره الوطني في القضايا الأساسية.
– تشاور كامل على مجمل القضايا في المرحلة الانتقالية والمرحلة التي تليها مع المؤسسات القيادية العسكرية(الدفاع،الأركان،قادة الأسلحة).
– دور أكثر استقلالية في المرحلة الانتقالية في كل ما يتعلق ببنية وتركيبة الجيش وأنواع الأسلحة ومصادرها واستراتيجة القتال،والخطط الأساسية،مع تقليص هذه الاستقلالية كلما استقرت التناقضات والصراعات،وقضايا الخروج الآمن من الأزمة،ليصبح الموضوع لاحقا في يد المؤسسات الديموقراطية المنتخبة والمستقرة.
– إلغاء كامل لمجمل الظواهر المسلحة التي أوجدتها السلطة،وتذويبها إن كانت هناك ضرورة ضمن صفوف الجيش.
– النظر للظواهر السياسية- العسكرية ذات الطابع المقاوم للإحتلالات،المستقلة فعليا عن السلطة،النظر إليها بطريقة مختلفة عن بقية الظواهر،واعتبارها ظواهر داعمة للجيش في مهماته الوطنية الأساسية،تحرير الأراضي المحتلة بشكل خاص الجولان واللواء والشريط المحتل حديثا من النظام التركي.
– وفي إطار العقيدة الجديدة للجيش سنحاور لتثبيت المباديء السابقة خاصة تجاه القضايا الوطنية والسيادية والحياد في الحياة السياسية الداخلية،سنحاور لتثبيت ذلك في العقد الاجتماعي الجديد،وفي الدستور،بذلك نعتقد أن هناك إمكانية لتصحيح العلاقة بين الجيش وموضوع الدولة والسلطة والسياسة والقضايا الوطنية والسيادية المنوطة به.
ما رأيك بهذه الدراسة ؟ و هل قدمت حلا عمليا للقضية المطروحة ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق في المدى القريب ؟