دراسة نبيل بيتنجانة

كان التركيز في المرحلة الاولى من مشروع الحوار على تعريف الفساد والمسائل المتعلقة بالثقة بين الأفراد والمؤسسات في سوريا، ويمكن تلخيص النقاط الرئيسية بما يلي:

  • هناك العديد من مشاكل الفساد المختلفة في سوريا (وفي الدول الأخرى) التي يمكن تعريفها بطرق متنوعة وكثيرة. وبالتالي من المهم لمجموعة تمثيلية  متخصصة تحديد الجوانب المختلفة (والخصوصية) للفساد في سوريا من أجل استمالة مختلف أصحاب المصالح، وإعطاء الأولوية للمشاكل التي تتطلب حلا، وتحديد جملة حلول مناسبة وتخصيص الموارد المناسبة لكل نطاق واقتراح الحلول لهذه المشاكل.
  • نحتاج على الأقل من أجل الفساد في الدولة الحالية (في مختلف المستويات) إلى تعيين وقياس معيار التقدم في جهود مكافحة الفساد، وإبلاغ النتائج لجميع أصحاب المصالح. تمهيدا للقيام بذلك ينبغي اتخاذ القرار بشأن المقاييس التي ينبغي أن تقيس مختلف المجالات التي يجب معالجتها.
  • ستحتاج تدابير مكافحة الفساد للقيام عملية إعادة هيكلة كبيرة، تتضمن تعديلا ملفتا للنظر لبعض القوانين. ويتطلب هذا الأمر استثمارا (إجراء تحليل التكلفة-الفائدة). بهذا الشكل سنحتاج لخطة رئيسية توضع على ضوء إعطاء الأولوية لتنفيذ هذه التدابير السابقة جنبا إلى جنب مع تكاليفها. وعلى أصحاب المصالح معرفة أن تكاليف التنفيذ سوف تكون محسوبة وضمن تكلفة القيام بالأعمال التجارية مع المنظمات المعنية.

دخل مع تطور الوضع السوري، والأضرار في البنية التحتية والبشر، منافذ إضافية جديدة وواسعة للفساد. إن إعادة الإعمار لمرحلة ما بعد الحرب تتطلب استثمارات ضخمة. وتخلق الأموال الوفيرة الضرورية للتحرك بسرعة فرصة أكبر لسوء الاستخدام ، والهدر وسوء الإدارة. وإذا كان البعض مستائين من مستويات الفساد في سورية عندما كان الناتج المحلي الإجمالي حوالي 59 مليار دولار (2010)، فيمكن للمرء تخيل مستوى الاستياء عند إضافة 50 إلى 160 مليار دولار ستنفق على الإصلاح والارتقاء بالبنى التحتية. وبعبارة أخرى، يحتاج السوريون، ومع أولوية متابعة الفساد في العمل اليومي للحكومة وقطاع الأعمال، للتدارس وإدارة مسألة الفساد المحتمل مع أموال إعادة الإعمار.

تجلب إعادة الإعمار بعض التحديات الفريدة مثل:

  • بعض مشاريع إعادة الإعمار يجب إنجازها بشكل سريع وفي وقت محدد لأن هناك مشاريع أخرى تعتمد عليها.
  • إن اختيار من سيشارك في إعادة الإعمار يُحتمل أن يُبنى على أسس غير عادلة ولا يتضمن تنافسية:

1)     يمكن منح العقود إلى مجموعات مدعومة أو مقربة، بينما يتم تهميش المجموعات الأخرى التي ساعدت أو يعتقد أنها ساعدت المجموعات المعارضة.

2)    يمكن للنخب الناشئة نتيجة الحرب استخدام إعادة الإعمار لترسيخ مكاسبها، وفي بعض الحالات “لتبييض أموال” الشبكات الإجرامية من خلال إيجاد ولاء للمجتمع المحلي لها. ولندرك كيف تصبح قوة هذه الجماعات نحتاج لإلقاء نظرة على التحولات البنيوية مثل ما حدث في الاتحاد السوفياتي السابق وبعض بلدان الكتلة الشرقية. والتحدي هو كيف نجعل المجموعات المختلفة جزء من جهود الإصلاح.

3)    فقدت العديد من الشركات المحلية الموارد والقدرات اللازمة لإنجاز مشاريع واسعة النطاق.

4)    إحدى القضايا المرتبطة بالمنظمات غير الحكومية ومجموعات الإعانة الكبيرة هي استنزاف المواهب المحلية من الحكومة والشركات الأصغر عبر إنشاء نظام متعدد المستويات مع رواتب وفوائد مختلفة. ويرفع هذا الأمر من التكلفة الإجمالية للجهود المبذولة. وللأسف فما هو قائم لديه تحدياته التظيمية الخاصة به، مما يجعل الفئة الأخرى أكثر ضرورة (مرنة، متدربة،…)

إن معظمنا واجه حالة ما بعد الحرب مرة واحدة على الأقل خلال حياته. ونتيجة لذلك يتطلب البحث، قبل أي اقتراح حلول مفصلة،  بما قامت به الدول الأخرى في العالم التي مرت بنفس التجربة وما الذي تجنبت القيام به. فالوضع في سوريا عند مقارنته بالآخرين ليس فريدا من نوعه تماما. وقائمة البلدان التي يمكن أن استخلاص تجربتها طويل:

أفغانستان

البوسنة والهرسك

كولمبيا

هاييتي*

العراق

كوسفو

لبنان

الفلبين*

الصومال

السودان

*كوارث طبيعية

   يجب استيعاب التجارب المختلفة مع البنية التي رافقتها والمبادرات التي تم تنفيذها وذلك لإيجاد حلول محلية لسوريا والاستفادة من أفضل الممارسات، والتخفيف من أخطاء الآخرين. في هايتي، ورغم التعاطف العالمي والتزام العديد من الدول بالتمويل بعد الزلزال المدمر عام 2010، فإنها ماتزال تكافح للتعافى. لقد حولت المنظمات غير الحكومية (وفقا لمراقبين معتمدين) البلد إلى حقل تجارب مع القليل من النتائج.

  على العموم فمن أجل مشاريع إعادة الأعمار سنحتاج لمنهجية في رفع الأداء مع رقابة واعتماد مقاييس عمل لمشاريع إعادة الإعمار. وسيتطلب إيجاد معايير اختبار لكل مشروع على مكتب إدارة المشاريع (PMO: Project Management Office) الذي يتم إنشاؤه لدور واضح وتقارير عامة عادية. ونظراً للحاجة إلى تصغير حجم منظمات الرقابة، فإن إحدى التوصيات التي تحتاج لمزيد من البحث هي توفير “البيانات المفتوحة” للمناقصات، الشروط والأحكام، وحتى التقارير الفصلية للشركات المشاركة. سيعطي هذا الأمر أصحاب المصالح مستوى أعلى من الثقة عن كيفية سير الأمور والتقليل إلى أدنى حد من هياكل الرقابة عن طريق الشفافية والحوكمة للبنى. وهذا الأمر هو من الأولويات التي تطالب بها جميع الشركات الراغبة في تقديم العطاءات والمشاركة في جهود إعادة الأعمار لتعرف قواعد “قبول التنفيذ”” والإدارة، والتدريب الداخلي على الحوكمة وإطارا قانونيا لدعم هذا الأمر.

ستساعد هذه الإجراءات على نقل محور الاهتمام من العقوبة للوقاية. فنهج البيانات المفتوحة واحد من الأساليب التي تبدل قواعد عدم الشفافية، ويسمح بإلقاء الضوء على العامل الداخلي لهذه المشاريع. وهذا سيساعد الصحفيين على التحقيق ودق نواقيس الخطر وسيجعل والمواطنين المعنيين ليكونوا جزءا من الحل. وينبغي استكمال ما سبق  عبر وضع قانون “حرية المعلومات” في موقعه لدعم الأفراد والمنظمات الذين يرغبون في طلب المعلومات التي تحتفظ بها الحكومة.

بالإضافة إلى ما سبق، سيبدأ مختلف الأفراد والمجموعات خلال الأزمة العمل على:

توثيق وتعزيز واقتراح التحسينات من أجل:

  • استعراض ما هو جاهز من:

1)    المعاهدات الدولية المتعلقة بالفساد (على سبيل المثال: “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد“، وغيرها)، الشفافية والحوكمة.

2)    تحليل المواثيق الخاصة بالجهات السورية والإقليمية القائمة، وتاريخها والنجاحات والإخفاقات واقتراح التعزيز  والتعديلات.

3)    المنظمات غير الحكومية وقصص نجاحها (وفشلها) في محاربة الفساد، وإنجاز الحوكمة

4)    القياسات والمؤشرات.

  • مناقشة واقتراح كيفية إنشاء ثقافة النزاهة والمساءلة في سوريا بما في ذلك تنفيذ عمليات الإدارة وتدابير الشفافية في المؤسسات المختلفة.
  • مناقشة من اشتغل في عملية التغيير في سوريا، وعلى وجه التحديد الأتمتة وإعادة هندسة العمليات في القطاع العام من أجل إنشاء بيانات لما تم إنجازه، مع قائمة بالقوانين التي تحتاجها للتغيير.
  • فرز العمليات في الإدارات الحكومية المختلفة وفق سماتها المختلفة (ماهي توقعات استخدامها، واحتمالات الفساد ومعوقات التغير واحتمالات التغيير…)
  • استعراض قائمة قوانين العمل وتوصيات التغيير من أجل خلق قوة أكثر مرونة وفعالية القطاع العام والقطاع الخاص.
  • تحديد مسؤولين مختصين ومهنيين مع الحكومة لبدء التدريب وإعدادهم للتغيير بعد الأزمة
  • الاستثمار في تطوير المجتمع المدني والتركيز كي يصبح أكثر شفافية وخاضعا للمساءلة من خلال التغييرات في الدساتير والسياسات والإجراءات.
  • إن ضمان الموافقة على القوانين المناسبة (وتنفيذها) هو مقدمة لتأمين مجال من تكافؤ الفرص و التنافس .

حالما تبدأ التهدئة، سنحتاج إلى مشاريع مختلفة لها الأولوية ضمن:

  • البنية الأساسية (الخدمات العامة(
  • إعادة اللاجئين إلى الوطن من الدول المجاورة
  • بناء المؤسسات والإصلاح (انطلاقا من العدالة) وتنفيذ سيادة القانون (سيادة القانون—لا أحد فوق القانون).

يمكن أن يكون مشروع الحوار انطلاقة لمنتدى يفتح باب المناقشات، وترسيخ الأفكار، وتقديم مختلف الأطراف المهتمة بالأمر إلى بعضها البعض واقتراح مبادرات معينة. على أمل أن تتم معالجة موضوع الفساد بطريقة منتظمة ومفتوحة، تشجع الكثيرين على المشاركة والعمل الإيجابي والتخطيط لتغييرات صعبة  تتطلب تبديل أسلوب العمل الحالي، والتقليل من خسائر الفساد في إعادة الإعمار إلى الحد الأدنى.

إذا كنت مهتما، يرجى الانضمام إلى منتدى المناقشة وتقديم المداخلة الخاصة بك.

 


ما رأيك بهذه الدراسة ؟ و هل قدمت حلا عمليا للقضية المطروحة ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق في المدى القريب ؟