دراسة علياء محفوظ علي

 في بلدان ما بعد الأزمة يكون تحقيق النمو الاقتصادي و الاستقرار السياسي و المصالحة الحقيقية رحلة شاقة و طويلة الأمد غالباً. يمكن تسهيل هذه الرحلة من خلال التركيز على التعليم كونه ليس أحد الحقوق الأساسية للإنسان و حسب بل و يعتبر أداة لإعادة تأهيل و بناء الدولة التي تضررت جرّاء الأزمة. و عليه فإن إعادة الأطفال إلى المدارس هو فوز سريع و خطوة جبارة ينتج عنها منافع ملموسة و قفزات نوعية كما تقدم تطلعات لمستقبل زاهر واعد. تمثل المدارس للأطفال ملاذا آمنا يمكن فيه الاعتناء بهم و حمايتهم من الخطف او التجنيد في العصابات المسلحة أو الاستغلال الاقتصادي و الجنسي كما يؤمن بيئة شفاء نفسي و عاطفي من خلال اعتماد روتين يومي يهدف إلى استعادة نمط الحياة الطبيعي من خلال البرامج النفسية و التعليم و اللعب تقدم المدارس دورا هاما في عملية الشفاء. تمهد المدارس لإعادة بناء المجتمع الذي عانى من الدمار سواء المؤسساتي أو الاجتماعي أو النفسي و ذلك من خلال اعتبار المدارس وسيطا للسلام يشجع الأطراف المتعارضة على العمل معا من اجل مصلحة أطفالهم.

دخلت سوريا عامها الرابع من الحرب الضروس التي فتكت بالكثير من الأرواح و نجم عنها أضرار جمّة  على جميع الأصعدة سواء الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و النفسية .  نأسف لقول أن هذه المعاناة مستمرة و لم تنته بعد. هذا يشكل تحديّاً كبيراً يعرقل عملية الاصلاح  التي يسعى اليها السوريون و محاولة  استعادة البلد الذي كان .  على الرغم من وجود عائق استدامة الحرب فما زال بالامكان البدء بخطوات بسيطة تساهم في التخفيف من المصاب الاجتماعي انطلاقاً من التعليم الذي يلعب دوراً جوهرياً في إعادة تأهيل البلاد اجتماعياً.

من المعروف أنه عندما يسود الجهل في مكان ما يسهل تجييش و تجنيد سكان هذا المكان و تأطيرهم ضمن أجندة ما و جعلهم وقود لتحقيق أهداف الآخرين.

إن الاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأساسية في أي عملية  إصلاح بلاد ما بعد الأزمة. قد يعزى سبب  انطلاق و احتضان العنف في مناطق ريفية”غالباً” إلى عدة أسباب منها التكوين الاجتماعي القبلي لهذه المناطق أوالبطالة أو  خلل في العملية التربوية و هو موضوعنا الحالي .افتقرت أغلب هذه المناطق عموماً إلى نظام تعليمي مدروس يهيئ جيل حضاري ينبذ العنف كوسيلة لتحقيق المطالب.  و يعود ذلك إلى عدة أسباب منها :

  • الاعتماد على مدرسين و مدرسات من المناطق الساحلية غالباً لتدريس طلاب المناطق الشرقية بدل سكان المنطقة ذاتهم. في عموم الحالات لا يكمل الطلاب في المناطق الشرقية تعليمهم و في حال تم ذلك يتم قبولهم في الجامعات وفق مفاضلة خاصة على اعتبارهم ذوي كفاءة أقل و هذا ما يشجع عدم تحسين المستوى .
  • ينتمي الكثير من المناطق الريفية السورية إلى مجتمعات عرقية غير عربية (أكراد و أرمن و آشوريين و سريان …الخ). عدم السماح بممارسة لغتهم رسمياً (الأكراد بشكل خاص) شكّل أداة استفزاز عوّل عليها بعض الاطراف في تجييش الناس (جمعة آزادي).
  • يمكن اعتبار تدريس التربية الدينية تجربة التقسيم الأولى التي يتعرض اليها الطفل. اشتراك الطلاب في حضور جميع الصفوف عدا التربية الدينية يولّد شعور الاختلاف “غير الحميد غالياً” عن الآخر و يفتح الباب للكثير من تعزيز الفروقات. و ذلك لا يقتصر على الدينين الاسلامي و المسيحي بل يتعداه إلى أبناء المذاهب الاسلامية الأخرى التي لا يتم ذكرها في الكتب و هذا ما يخلق نوع من التناقض بين التربية المنزلية و المدرسية.

ما الحل ؟

كما أسلفنا فإن بلادنا ما زالت ترزح تحت وطأة الحرب و هذا ما يجعل من عملية ترميم النظام التعليمي مهمة غير سهلة . لدينا الآن مرحلتان لعملية اصلاح ما قد يعتبر أحد اسباب الازمة السورية

1-  مرحلة الاصلاح خلال الحرب

خسرت سوريا الكثير من المدارس خلال هذه الحرب سواء تدمرت أثناء العمليات الحربية  او من خلال فقدان وظيفتها التعليمية و  تحولها إلى مراكز ايواء مؤقت للنازحين من أهوال الحرب .

رغم الصورة المأساوية في مراكز الايواء التي يقطنها مواطنون خسروا منازلهم و أولادهم و مدارسهم  فما زال بالامكان تحقيق شيئ ما على الصعيد التعليمي.

عليه نقترح الخطوات التالية لتحسين العملية التربوية خلال الحرب:

  • تنظيم مجموعات تطوعية أو تابعة للشؤون الاجتماعية تعمل على ترميم النقص التدريسي الذي يعانيه أهلنا الوافدون جرّاء انقطاعهم عن الدراسة بسبب التهجير.
  • مراعاة الحالة النفسية لأهلنا الوافدين و تنوع ردود أفعالهم و خاصة الأطفال منهم و التي قد تتراوح بين الصدمة و العدوانية . إن القائمين على العملية التدريسية خلال الحرب يجب أن يتفهموا أن  بعض الأطفال قد يعانون من صدمة تمنعهم من المذاكرة بشكل جيد كأقرانهم و بالتالي يجب ايلائهم عناية أكبر من دون أن يشعروا بأنهم محط شفقة أو غير مرغوب بهم.
  • العمل على تلافي الخلافات الناشئة بين الأطفال و الأطفال الوافدين و توضيح أنهم أهلنا و ضيوفنا .و كذلك يندرج تعزيز هذا الوعي على الكادر التدريسي الذي يفضل أن ينتسب لدورات دعم و إسعاف نفسي .
  • هذا الموضوع يمكن تحقيقه من خلال نشاطات مدرسية أو مشاريع ينفذها فريق من الأطفال مكوّن من الوافدين و سكان المدينة التي تتضمن مركز الايواء.

تعزيز روح المواطنة لدى الأطفال واحترام الراي السياسي و رفض  الإرهاب.

2- مرحلة ما بعد الحرب

  • على أمل انتهاء الحرب قريباً نقدم بعض الاقتراحات لتلافي أحد أسباب الأزمة . بناء على  ما ذكرناه سابقاٌ من أسباب محتملة  فيمكن العمل على مايلي :
  • السماح بممارسة اللغات الاثنية و جعلها جزء من المنهاج التدريسي مما يخفف من الغبن الاجتماعي و يفتح باباً للمواطنين من الأعراق الأخرى للتعرف على مكونات النسيج السوري بشكل أعمق.
  • استبدال مادة التربية الدينية بالتربية الأخلاقية التي تستمد نصوصها من كافة الأديان و الفلسفات الهادفة لخلق مجتمع سليم ينبذ العنف كوسيلة تحقيق مطالب .
  • تعزيز دور الاتحاد النسائي و الجمعيات النسائية لنشر ثقافة حقوق المرأة و تفعيل دورها عملياً.
  • تطوير الخطط الدراسية بحيث ينتقل الطالب من دور المتلقي إلى المتفاعل المعطي و ذلك من خلال تنفيذ مشاريع صغيرة ( مجسمات – زرع أشجار- تجارب كيميائية – تعزيز الفكر النقدي ).

من المؤكد أن بعض الأفكار الواردة سوف تلاقي صعوبات أو تحديات لتطبيقها . على سبيل المثال لا الحصر استبدال التربية الدينية بالتربية الأخلاقية  . في هذه الحالة نقترح تطبيق هذه الخطوات بشكل تدريجي بدون إجبار كي لا نلاقي نتيجة عكسية .


ما رأيك بهذه الدراسة ؟ و هل قدمت حلا عمليا للقضية المطروحة ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق في المدى القريب ؟