دراسة أيهم محمود

يجب التفريق بين مفهوم الدولة و الحزب، إن وسائل الإعلام المملوكة للدولة السورية تحولت و على مدى عقود طويلة إلى وسائل إعلام ناطقة باسم الحزب الحاكم، أي أن ملكيتها عادت لجزء من الشعب السوري لا يمثل كل مكوناته، إذا على الدولة السورية أن تعيد تأميمها و ترجعها إلى ملكية الشعب و تفصل نشاطها عن نشاط حزب البعث الذي عليه أن يؤمن قنواته الإعلامية الخاصة الناطقة باسمه، يجب أن تكون القنوات الرسمية منبراً للسوريين جميعاً و تحاول قدر الإمكان أن تعرض وجهات النظر المختلفة حتى لو خالفت قناعات الجهات التي تفوز بالانتخابات.

يجب الفصل بين مفهوم الحزب الحاكم و بين الدولة، أملاك الدولة هي لكل مواطنيها طالما أن الأموال التي بُنيت بها هذه المنشآت أتت من كافة شرائح الشعب، إنها قضية حقوقية أولاً و قضية أمنية ثانية كي لا يضطر المعارض لتوجهات الحزب الحاكم  إلى البحث عن منابر خارجية و لقد رأينا في الأزمة التي لم تنته فصولها بعد كيف يمكن استغلال الذين تم حرمانهم من التعبير عن آرائهم داخل البلد من قبل القوى الخارجية.

مقترحنا الأول يصب في فصل الإعلام الحزبي عن إعلام الدولة السورية و من ثم تأمين حرّية الوصول إلى المعلومات، يجب أن تكون المعلومات العامة متاحة للجميع إلا تلك التي تتعلق بالأمور العسكرية و التي تؤثر على أمن البلد أو تتعلق بالحياة الشخصية للأفراد، لا يمكن ظهور صحافة حرّة دون تقرير حق الوصول إلى المعلومات العامة.

قانون إعلام عصري هو الخطوة الأولى لحماية العمل الصحفي في بلد نخره الفساد و حكم الحزب الواحد، و هو عنوان التغيير السياسي الحقيقي و كل ما عداه سيكون مجرد مظاهر خادعة لإصلاح سياسي مزيف تبقى فيه التهم الفضفاضة التي لا ضابط لها سيفاً مسلطاً على كل من يفضح فساد مؤسسات الدولة و الطبقة الحاكمة.

التقدم في المجال الإعلامي تابع بالضرورة للتقدم في المجال السياسي و صياغة عقد اجتماعي جديد بين أطراف تُدرك الأخطار القادمة حتى بعد انتهاء هذه الأزمة، أطراف تريد أن تستمد قوّتها و مشروعيتها من داخل البلاد لا من خارجها، الحديث عن تغيير إعلامي يقتضي الحديث عن التغيير الاجتماعي و الثقافي المطلوب من جهة الاعتراف بالتعددية السورية الثقافية و العرقية و الدينية و العمل على تكوين ثقافة جامعة من أدواتها إعلام قادر على صد الهجمات الإعلامية التي كانت السلاح الأمضى في الحرب على سورية.

من الدروس المستخلصة من هذه الحرب التي لم تنته فصولها إلى الآن هو قوة الإعلام التفاعلي و قدرته على أن يكون بديلاً جيداً و موثوقاً عن الإعلام المركزي -المرئي و المسموع و المطبوع- في حال تعرضه لهجمات تدميرية أو في حال تعطيله تقنياً، لقد قامت شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت بربط الأشخاص الذين يتشاركون فكراً متقارباً و بالرغم من أن هذه الأداة قد استخدمت في الأصل من قبل القوى التي تعمل على غزو سوريا إلا أنها و بعد فترة قصيرة نسبية أصبحت في يد القوى التي تدافع عن وحدة التراب السوري و هذا درس مهم ليس للشعب السوري الحي بل للقوى الأمنية التي كان خوفها من هذه الوسائل نتيجة جهل مخجل بطبيعة الشعب السوري و بالقدرات الكامنة فيه، مازالت وسائل الإعلام التقليدية حتى تاريخ كتابة هذه السطور متخلفة عن حركة الإعلام العالمي و عن مرونة الإعلام التفاعلي مع ملاحظة أن الإعلام التفاعلي محدود التأثير نتيجة عدم توفر البنى التقنية في كافة المناطق السورية و خاصة في الأرياف حيث بقيت الانترنت مثار ريبة و شك لدى الأجهزة الأمنية بفعل عطالة هذه الأخيرة و سيطرة شخصيات تقليدية عليها لم تستطع مواكبة القفزات التقنية الهائلة التي تحدث في العالم المحيط بنا.

بالرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت في البدء المنصة التي انطلقت منها شرارة الاحتجاج و فيما بعد المنصة التي انطلقت منها شرارة المقاومة لمشروع غزو سوريا و التي عمل فيما بعد موقع الفيسبوك على احتوائها رياضياَ عبر إبطاء آليات انتشار الصفحات ووصولها إلى جمهور واسع و عريض إلا أن هذه الأداة –الفيسبوك- تبقى أكبر منصات التجسس و هذه ليست دعوة إلى حجبه بل إلى إطلاق منصات بديلة تفاعلية خاصة بحكومة الكترونية تتفاعل مع المواطنين السوريين و أيضاُ إلى تأمين و تشريع القوانين المطلوبة التي تحمي حرّية تبادل المعلومات و تكوين عقد اجتماعية مستقرة و موثوقة على شبكة داخلية و تعزيز هذا الأمر تقنياً عبر نشر أدوات الاتصال بشبكة انترنت محلية على مستوى سورية و بسرعات عالية و ربطها بشكل يحقق الغاية الأساسية من شبكة الانترنت هو صمود الاتصالات حتى لو تمت مهاجمة عقدها و بعض طرق نقلها، يجب أن تبقى هذه الشبكة تعمل في حالة إغلاق القنوات الفضائية السورية و حتى الأرضية، و هذا الأمر لا يجب أن يخيف الأجهزة الأمنية السورية و خاصة بعد تجربتها الأخيرة الناجحة نسبياً في امتصاص خوفها المزمن من التقنيات الحديثة.

لا أعتقد أن المجتمع السوري هو نفسه الذي كان قبل الأزمة، و عليه على الطبقات الحاكمة أياً كانت و التي ستأتي بها الانتخابات القادمة و التي بعدها أن تحضّر الأرض جيداً للحرب القادمة و أن تعد القنوات الإعلامية القادرة على استيعاب أكبر عدد ممكن من شرائح الشعب السوري و أن تعمل بالتوازي  على تعزيز قدرات الإعلام التفاعلي و الذي سيتطور بفعل انزياح دائرة الفعل باتجاه العناصر الأكثر شباباً و التي بدأت تستولي تدريجياً على المشهد الثقافي.

نعتقد أن الإعلام المرئي و المسموع سيظل تحت ضغط القوى التقليدية الأمنية و السياسية من جهة و من جهة أخرى تحت ضغط الإعلام التفاعلي المنافس و سيظل هذا الأمر قائماً إلى حين نضج التغيير السياسي أو إلى حين ظهور مزيد من التشدد و حينها يمكن أن ينفتح مستقبل سوريا على المجهول لأنه يعني وجود جمود سياسي غير قابل للمعالجة، إن الإعلام سيكون في الفترة القائمة المؤشر الأصدق على الحالة السورية السياسية و الثقافية و مدى قدرتها على التعافي أو الانتكاس و الدخول في أزمات أشد من التي مرت سابقاً.


ما رأيك بهذه الدراسة ؟ و هل قدمت حلا عمليا للقضية المطروحة ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق في المدى القريب ؟
3/5 1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars
Loading ... Loading ...



شارك برأيك

يسرنا قراءة إضافاتكم، لكن مع التنويه أن النشر على الموقع سيقتصر على المشاركات البناءة و النوعية، و لا نضمن أن يتم إدراج كل المشاركات