روح الفلسفة السورية : قدمت لنا الاساطير الاولى للسوريين العزيمة والاصرار للروح السورية بالانتصار للحياه في مواجهه الموت الطبيعي فكانت فكرة – الأنبعاث – والعودة الى الحياة كتجسيد لتلك العزيمة : أدونيس , العنقاء , التقمص , المسيح , الحياة الابدية , الخلود ….
الحق في الحياه كمقدس في الاسطورة السورية – المخيال السوري الاول – تحايل على الموت كضرورة موضوعية من خلال : التصعيد والتسامي ” التضحية والأستشهاد ” في سبيل فكرة اعظم إلا وهي : الحق في الحياة .
التسامح والبحث عن الحلول التي تحفظ حق الحياة تلونت عبر التاريخ السوري بمخارج متعدده اجمعت كلها على تأكيده , بل وحتى على الأستثناء منه – كالشهادة مثلاً – فالشهيد حي في الذاكرة السورية !!
التضحية والشهادة : انتقلت من معناها المادي الملموس – التضحية بالنفس – الى بعدها الرمزي – الاضحية – من كل ما عدا النفس البشرية الى معادلها الرمزي ممن يحمل تلك الدلالة بذات المعنى ولكن بحامل غير بشري .
التنوع والوفرة في المكونات السورية وممن يدور في فلكها – داخل وخارج , وافد وأصيل – استلزم يقظه وتنبه عالي السوية على إدراك ذلك الأختلاف ضمن المكون الواحد وايجاد صيغ ومخارج لتثبيت واقع الحال ومواجهه الطارئ منه : اخوة الدم والرضاعة , المصاهرة , الأستجارة ….
قوة ورهاب الدم السوري كمعادل للحياة ومحاولة ايجاد بدائل موضوعية لذلك الدم في الشروط الاستثنائية والضرورية ” الدية “
الدولة السورية : أسس العقد الاجتماعي السوري منذ الثورة السورية الاولى , المؤسس الاول للدولة السورية الحديثة في العشرينيات من القرن الماضي على تأكيد الحق للجميع في الوجود ضمن ذلك العقد : الدين لله والوطن للجميع , كعقد سياسي يستند الى الموروث الاجتماعي الاول : حرمه الدم السوري .
النظام السياسي السوري والعنف : عاشت سورية ومنذ الاستقلال في منتصف اربعينيات القرن الماضي فترة ليست بالطويلة والمؤسسة لنظام ديمقراطي يقوم على التشاركية السياسية والمجتمعية لكل المكونات الاجتماعية والسياسية التي تميز الطيف السوري المتنوع والغزير ضمن حالة من الصخب والانفعالية ودرجة محددة من العنف السياسي , لكن القاسم المشترك الاعظمي كان هوالحق بالتواجد السياسي والمشاركة بنسب متفاوتة للجميع .
الاحتكار السياسي : مع وصول قوى سياسية ذات طابع ” إنقلابي ” وفكر ” شمولي ” حدث انزياح عالي في السوية السياسية التي ميزت التنافسية السياسية السائدة في الوطن السوري لصالح قوى مارست ” الأقصاء السياسي بل والأجتماعي منه ضمن الخريطة السائدة وباتت سلطة اللون الواحد ومشتقاته هي السمة الغالبة بقوة القرار السياسي والمستند اساساً الى قاعدة غير سياسية بل من خارج الفلك السياسي ” الجيش ومشتقاته فيما بعد ” وتبلورت تلك الصيغة في طورها الارقى من سطوة حزب البعث منذ 1963 في تجربة الاسد الاب في مطلع السبعينات من القرن الماضي وعبر صيغة جبهوية افسحت المجال وبشروطها الخاصة للحق في المشاركة السياسية , ومع استنادها الى قاعدة اجتماعية لابأس بها,جلها من الطبقة الوسطى مع بعض الشرائح من الفلاحين والحرفيين استطاعت من استكمال الجزء اليسير من بناء الدولة السورية الحديثة التي بدء بها منذ الاستقلال بالاعتماد على ” مشروع وطني تحرري ” ومرتكزه اساساً الى روحية العقد الاجتماعي السوري في الشق الخاص بالحريات الشخصية بوصفها حق فردي وليس مدني !!!
السمة الاساسية التي ميزت العنف السياسي لتلك المرحلة كان يتمثل اساساً في ممارسة الحق بالمشاركة السياسية وتعدتها في بعض الاحيان الى مستوى ” الحرم الاجتماعي ” كما حدث مع جزء اصيل ومكون من الشعب السوري – الأكراد – في احصاء 1966 .
ارتفعت وتيرة العنف السياسي مع مطلع الثمانينات بتجربة العنف والعنف المضاد بين السلطة السياسية والاخوان المسلمين وحلفائهم لتصل الى حدها الاعلى بالتصفية السياسية والخروج الجسدي لمكون سياسي خارج الحدود السورية في ظل ارهاب المرسوم 49 , واستطالة الاجهزة التنفيذية لمؤسسات السلطة – الجيش والاجهزة الامنية – الى حدها الاعلى .
طالت درجة العنف السياسي الجميع الا ضمن شروط صعبة جعلت من الصعوبة بمكان الحصول على الحق الطبيعي للجماعات او الافراد في التواجد في المناخ العام أقله وفق شروط الاجهزة التنفيذية التي تسرطنت بها كل مكونات الدولة السورية الى مستوى متقدم , مقابل رضوض عنيفة في الهوية الوطنية – العقد الاجتماعي – والتي ارتدت تلقائياً وبقوة الضغط المقابل الى ما دون الرابطة الوطنية المدنية .
الديكتاتورية لاتعي اخطاءها : أدركت السلطة السياسية – حافظ الاسد – حجم الحرم المقدس الذي اقترفه في تغوله في الدم السوري !! ومضى بعيداً في محاولاته للتنصل من ذلك الاثم برميه على خصومه السياسين كما فعل هم كذلك , ويبقى السوريون وحدهم صاحب الكلمة الفصل في دمائهم التي استبيحت ,ولهم يعود الفضل في حقن دمائهم والمضي نحو القواسم التي تمنحهم حق البقاء والوجود المشترك .
لم يتعلم السوريون من الديكتاتورية !! ولم تتعلم الاديكتاتورية من أخطاءها !!
القناعة لدى الشعب السوري بحقه في المشاركة السياسية , ومحاسبة الفساد , وتغول الاجهزة الامنية في حياته اليومية لم يغيرها القليل – الكثير من سطوة الديكتاتورية على مصيره , وحقه في الوجود الادمي والانساني والسياسي لم تطفئ جذوته ” الرتوش ” التي رافقت سلطة الاسد الابن , وصبره على الوعود التي طمح وتمنى لها زادت على العقد من الزمن , وإذا كانت تجربة ” الاخوان المسلمين ” تجربة غير متبناه ومعتمده من الشعب السوري , لذلك كان رده الواضح والصريح في 18 اذار من عام 2011 على الديكتاتورية والاستبداد غير قابل للتأويل وواضح المعالم وقوي النبره …. قبل ان يكون للشعب السوري درايه فيما ينتظره ؟؟؟
وكما كل الديكتاتوريات في العالم – بأستثناءات محدودة – جاء الرد فوق طاقة التصور عنفياً !!!!
اعتقدت الديكتاتورية السورية بقدرتها على اعادة انتاج تجربتها السابقة ” الاخوان المسلمين ” غير مدركه الفارق النوعي والكمي للتجربتين – فالتاريخ لايعيد نفسه مرتين – ودفعت بإتجاه خلق تماثل قريب او بعيد للحالتين , وزادت من وتيرة العنف من طرفها كعامل مساعد في التماثل المنشود , ودفعت بفكرة – الحق بالبقاء او النجاه مقابل الحق في الحرية ” الاسد أو نحرق البلد ” وكان لها ما ارادت !!!!
الموت .. كلعبة جهنمية
ليس اكثر من الشعب السوري من يعرف نظامه السياسي , وليس اكثر من السلطة السياسية السورية من يعرف خصائص شعبه , وهكذا اندفع الطرفان وبطريقة شيطانية مجنونة في كسر كل التابوات والمحرمات والمقدسات في تنافس مريع تفوق فيها كل فريق على نفسه , وبدى الاعجاز والابهار في القدرة على التفوق على الذات وعلى الاخر – اي اخر – في تحطيم كل شيء واي شيء , بل وتحطيم ذاته اولاً .
شيء شبيه بالتراجيديا الالهية : اذا كانت قوتك في السيطرة علي !!! فموتي هي حريتي !!!
وغاب العقل والمنطق وصوت الضمير , وما كان لا ينتظره الشعب السوري تحقق !!
الجميع ساهم في المحرقة السورية : الداخل , المحيط , الاقليم والدولي .
بأسم أصدقاء الشعب السوري قدمنا قرابيين على مذبح المصالح الدولية .
وبأسم الاخوة العربية كنا ضحايا التنازع العربي – العربي .
وبأسم الاسلام حطمت كل اخلاقنا وضمائرنا هدية لمذاهب وتصورات الاخرين .
وبأسم الانسانية تحولنا الى هنود حمر القرن الواحد والعشرين .
ثوارنا باعونا كالرقيق في سوق النخاسة , ومناضلينا تخلوا عنا مقابل حفنه من الفضة , ومثقفينا هللوا لسماتنا السورية الفذه , وشعراءنا كتبوا القصائد في مديح جثثنا …. حتى الله لم يعد يلقي لنا بالاً !!
قليله هي الاصوات التي حذرت من هذا المصير وكان جزاؤها التخوين , والعقلاء من السوريين باتوا قله ومقموعي الصوت من الجميع – نظاماً ومعارضة مسلحة – والمجتمع الولي لايلقي لهم بال .
الحل في الاسطورة ..
كما العنقاء والمسيح وادونيس سيعود الشعب السوري الى عافيته بعد مخاض مرير , لم يكتمل طريق الجلجله بعد … لكننا في الربع الاخير .
الثابت الاصيل في الروح السورية هو حق الحياة – ومعادلها الدم – ولنا في الحكاية السورية الاصيلة حكمه اليوم :
كانت العذارى السوريات وبضغط الحاجه الى التحرر من ربقه الدم التي ترافق الليله الاولى تمضي الى مداخل المدن السورية بأنتظار الغرباء اذا مروا وألقى احدهم بقطعة من النقود في حجرها لتمضي معه وتتبرأ من دمها , عندها تعود الى حبيبها الذي ينتظر عروسته دون آثام ” حرمه الدم ” .
هكذا كان الدم السوري على السوري حرام
من المؤكد بأن النظام في سورية لم يعد اليوم الأب الشرعي الوحيد للعنف كما كان عليه الحال منذ – أقله 1970 – وبأن المحاولات التي جرت في الثمانينات من القرن الماضي لم تكن استثناءاً , بل الأنكى من ذلك وجود نظريات تقول : بمنازله النظام في ملعبة المفضل في ” كسر إحتكار العنف من قبل النظام ” ولو أدى ذلك الى الأسعانه بالخارج ” لايمكن كسر الجوزة إلا من الخارج ” .
ومع تقدم التدخل الاقليمي ومن خلفه الدولي – كواقع موضوعي – افرزه : الاستبداد , ونظرية ” الصفر الاستعماري ” كحل رحيم في مواجهه الاستبداد , فقد السوريون وفي كل المواقع : سلطة ومعارضة دورهم الحقيقي في الحل السوري وقدرتهم عليه – الى المدى المنظور – إلا بحضور الخارج الاقليمي والدولي , وهنا مربط الحل السياسي .
في ظل عدم الثقة بالنظام وغياب المشروع السياسي له , وفي ظل تقدم القوى الاقليمية والدولية : لايمكن لأي حل سياسي لايرعى الحد الادني من الطموح السوري وبضمانه دولية – ليس تحت البند السابع – من الحياة , ولتكن البداية كما طرحها المجتمع الدولي من خلال الاتفاق اليتيم ” جنيف 1 ” كحل أولي يفتح الباب ولو جزئياً للحلول السياسية في ظل الاقرار بواقع العسكرة من الطرفين – طريق موازي – لخلق شروط عمل أقل عنفيه .
السلم الاهلي تعرض ومنذ زمن طويل الى الرضوض التي لم تصل الى المرحلة التي وصلها اليوم !! وبالتأكيد إن إصرار الشعب السوري بعمومه على رفض الأنجرار الى المشاريع المذهبية أو الطائفية أو المناطقية هودليل العافية المعتله اليوم , ولنا في الأرث الثقافي والأجتماعي ما يمكن الاستناد عليه , وربما تكون الطريقة المثلى هي في تراجع الاستبداد والتطرف بكل اشكاله المدخل الافضل الذي تقدمه الحل السياسي للأزمة اليوم .
2- العنف ليس ظاهرة طارئة على كل أنظمة ” العالم الثالث ” وبأستثناءات قليلة هنا وهناك … فالدولة في انظمة الاستبداد ومن أمامها النظام السياسي ليست أمتداداً عضوياً للمجتمع ! كما إن عنصر القوة التي تمثله تلك الانظمة – خارجي أكثر منه داخلي – وبالتالي يكون العنف هو المكمل الموضوعي لتأكيد تلك ” القوة ” المطلوبة .
والدولة كجهاز تنفيذي مباشر تتراجع أمام الهيئات أو المؤسسات الاكثر حميمية من السلطة السياسية : جهاز الجيش أو الأمن … وتتطاول جهات تنفيذية على حساب بعضها الاخر !!
العنف السياسي بمختلف تدرجاته حاضر في الحياه السياسية بل والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في سورية منذ احتكار السلطة السياسية من طرف وحيد وتحديد شروط الحق بتلك الممارسة منذ 1963 وتعمد بشكله الصارخ في تجربة 1970 – الجبهه الوطنية التقدمية – .
والمطلوب اليوم كما بالأمس : الحق في المشاركة السياسية , والتي هي جوهر الصراع مع السلطة السورية اليوم وكسر احتكارها السياسي , والذي هو المدخل الاساسي بل ربما الوحيد للقضاء على ظاهرة العنف في سورية .
مقابل الجهود التي يجب أن تبذل من الجميع من أجل ترميم الهوية الوطنية ” العقد الأجتماعي ” وتطوير ما تم إنقطاعه منذ عقود الاستبداد وفتح امكانية المبادرات الجريئة لرسم ملامح تلك الهوية الوطنية التي تعاني من تشوهات خلقية وإستكمال ما فات عليها والأجابة على الاسئلة المطروحة اليوم , وتعتبر ” المواطنة ” كهوية سياسية أفضل ماأنتج للبشرية في هذا السياق
ما رأيك بهذه الدراسة ؟ و هل قدمت حلا عمليا للقضية المطروحة ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق في المدى القريب ؟