حدّان ثقافيّان، بينهما يتجمع كمّ لا يستهان به من السوريين ، الحدّ الأول، وأنه أول، هذا ليس له علاقة بالترتيب ، لا الزمني ، ولا من ناحية الأهمية ، بل أتى في سياق صياغة هذه القراءة ، إذن الحدّ الأول : هو ما عاد به السوريون وغيرهم ، ممن تحتضنهم اللغة والثقافة العربيتان، من الغرب . والحدّ الثاني : هو ما حملته معها الفرق الدينية إرثاً مستمراً خلال قرون ، جزءٌ منه ، تطرفٌ في محاكاة السلف وتقديسه ، وجزءٌ منه ، ردة فعل تجاه ذلك الغرب الغريب . – الأقلية في هذا التجمع مدرك لما هو كائن ، ومدرك لما يجب أن يكون ، ولديه الأدوات اللازمة للتعبير عن هذا الإدراك. وكلّ الدروب المؤدية لينتقدَ ما هو كائن، وللتعبير عما يجب أن يكون ، مسدودة بفعل الحد الأول من الثقافة السائدة قسراً . وإن خاطر وباح ، انتقاداً أو تعبيراً، سالكاً دروباً فرعية – وهي دروب ملتوية بمفاهيم الثقافة السائدة قسراً – فلا يستطيعَ أحدٌ تقدير عذابات هذا المسلك .
– والغالبية من هذا التجمع ، لديها إدراك داخلي لما هو كائن ، وكذلك لما يجب أن يكون، وهذا الإدراك يبقى داخلياً، لافتقادها أدوات التعبير الصالحة عن هذا الإدراك ، ولقربها، حتى الالتصاق، من الحد الثقافي الثاني، أي البديل قسراًعن الحدّ الأول .
هذان الحدّان :
لا الأول منهما ، أدرك خصوصية الروح الثقافية لمجتمع عن مجتمع آخر ، فبدا غريباً في تطبيق تجربته المنقولة ، وصار حتى يٌفهمكَ ما يقصد ، يلجأ إلى اللغة الانكليزية أو الفرنسة ، فالأصل هو المصطلح الأجنبي ، وعلى مرجعية هذا المصطلح الأجنبي ، يجب أن تبني وأن تدرك ثم أن تعي المفهوم العربي ، فصارت تجربة هذا الحدّ وكأنها سابقة للزمن ، وهي ليست كذلك ، بل هي غريبة عن الزمن والجغرافية وثقافتهما .
ولا الثاني منهما ، استطاع أن يصيغ العلاقة الأساسية ، بين الاستقلال النفسي وحصانته ، وبين حركة تاريخ الحضارات ، المبنية أساساً على التلاقح ، ثم تعدد الأرحام ، وتنظيم دخول هذه الحركة من بوابات ذلك الحصن .
إن التجارب التي نشأت بين هذين الحدين ، بقيت حتى هذه اللحظة ، تعيش في كهف عميقة ، محشورة فيها بفعل عداء الحدّين لها ، تقاوم بعد أن كساها عفن رطوبة الكهف اللعينة . وهذا تفسير لما تعيشه ، ولا يمكن قبول هذا التفسير كتبرير .
ما هو معروض أمام المواطن السوري ، أن تكون أحلامه ومطالبه وأولوياته ، إما :
– حياة على النمط الغربي بالمطلق ، روحاً وقواعدَ .
– أو على نمط القرون الأولى للإسلام ، روحاً وقواعدَ .
وليست مشكلة المواطن السوريّ ، في المطالب والآمال والطموحات ، بل هي في جوهرها ، بافتقاد الطرق الموصلة إليها ، بغياب آليات تكوين الوعي ، بل في استقالة هذه الآليات من دورها .