News and Opinion:
دمشق.. دهشة أم وهم

دمشق.. دهشة أم وهم

ترتسم الدهشة بشكل استثنائي ضمن حالة مرعبة، فهي ضوء خارج المألوف يوقظني أو يكتب رعشة أبدية، فالخوف في النهاية دهشة تعيدني للصرخة الأولى وتسحبني نحو فجر دمشق الذي اشتعل فجأة فأحالني لأنثى مترقبة، ولانهيار الأفكار أمام لحظة لا يمكن وصفها لأنها تداعيات تستوعب كل العواصم التي عايشتها؛ من بيروت 1982 إلى بغداد 2003 وأخيرا دمشق التي أطبقت على عينيَ فلم أستطع إطباقهما، فهما أصبحتا مفتوحتان، تتلونان بأشكال الضوء وارتجاج النوافذ، ووسط الرعب كانت مساحة دمشق تصبح أوسع من قدرة وجهي على استقبال الدهشة.

Syria attack

ولمن يعتقد أن الذعر المرسوم على تفاصيل دمشق وعلى مساحة جسدي يخلقه الفعل العسكري، أو تخطه الحشود العسكرية وسواد التصريحات المتطايرة؛ فهو لم يدرك بعد أن الدهشة التي ضربتها أعمق من مظهر الحشود وأشكال الأسلحة الذكية، وهي ليست خوفا بالمطلق لأنها مزيج من خلاصة العالم الذي تحركه مواقع التواصل الاجتماعي، وتبعده نحو الخط الفاصل بين الموت وبين القدرة على التفكير، فتلك الدهشة هي ظاهرة خارج الحدث الآني وصخب الفرح أو الحزن اللذان يرسمهما السوريون بسرعة فائقة، ويبدلون الحالة إلى مهرجان لا يعطي أي مجال لكي ندرس تجربة إنسانية نعيشها الآن، وبتفاصيل يمكن أن تبقى وتحفر على وجه هذا الوطن ملامح جديدة.

الدهشة من هشاشة التصورات السياسية ومن عالم يتشكل على إيقاع أي تفصيل يمكن اختراعه، أو افتراض أنه موجود في مخيلة البعض، لكنه يصبح واقعا في لحظة الاشتباك الدولي، فهي الدهشة من “العولمة” في تعميم المخاطر والسخف الذي ينسجه البعض، ثم يصبح ثقافة يمكن أن تحملها أجيال وتدرسها أو تكرسها كأخلاق سياسية، فنحن ضمن “ثقافة اليوتوب” لا نمارس هواية بل ندفع هواة السياسة في مجلس الأمن يمارسون أشكالا “تُدهشنا” من القدرة على اعتبار العالم الافتراضي هو ما يشكل الحروب والتدمير.

Trump Macron

في “دوما” بدأت ملامح الدهشة من القدرة على جعل السياسة استعراضا للبرامج التلفزيونية الحية (TV Show)، في وقت لا نرى أنفسنا كممثلين أو عناصر درامية وسط تراجيديا أدخلت العراق ثم سوريا في دائرة من الخيال العلمي الذي يراقبه البعض على شاشات، بينما نكون نحن “الكومبارس” الذي يتلقى كل ما تحمله السماء من رعب أصبح جزءا من تكويننا، ومن مساحة نظرنا ورؤيتنا.

30706471_10157200587697977_1195090301393086780_n

يستطيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يستعرض مهارته التلفزيونية بشكل دائم، وهو قادر في لحظة إعلان الحرب على أحلامنا أن يجعل بعضا من خصلات شعره تلمع أمام عيوننا، ولكن فريقه التقني لم يستكمل المهمة في إيصال كامل المشهد، فهناك الدهشة التي رسمناها ونحن نراه في نفس اللحظة مع أضواء الانفجارات التي حاصرتنا، فهذه “الدهشة المفزعة” هي البطل الحقيقي للبرامج التلفزيونية التي تستهوي الكثيرين، وهي العنصر الذي يستكمل المساحة الافتراضية الناقصة من الحياة التي يتابعها الأمريكيون بشغف.

عندما تصبح السياسة هواية في العالم الافتراضي فإن “التويتر” لا يقرر مصير وزير الخارجية الأمريكي فقط، بل يضعنا جميعا في أحلام خطرة ترسمها السياسة العالمية التي تستمد قواها من مواقع التواصل العالمي، ومن القدرة على ابتداع أوهام لمنظمات وهيئات قادرة من خلف الشاشات أن تقرر طبيعة “الدهشة” القادمة التي سيفرضها “هواة السياسة” على وجوه أطفالنا.

“الكيميائي” في دوما ليس “كذبة” بل “سردية” لوهم المنظمات المدنية والسياسية في عالم يبني هواياته في سماء دمشق.

بقلم نضال الخضري



Comments (0)


There are no comments for this post so far.

Post a comment