المصالح والقيم والأخطاء الأمريكية في سورية

بقلم كميل أوتراقجي | مونتريال

تكثر الاتهامات حيال الأخطاء التي أدت إلى ما آل إليه الوضع في سورية.. ولا يزال “النظام السوري” يحظى بالحصة الأكبر من اللوم لكن الرئيس أوباما والائتلاف السوري المعارض وإيران وحزب الله وتركيا وقطر وداعش والسعودية يشار إليهم أيضاً.

وبعيداً عن هؤلاء اللاعبين الذين يستحقون حصتهم من اللوم، أودّ في هذا المقال أن أنحو باللائمة على ما يسمى “الثورة” و على الولايات المتحدة الأميركية، فكلاهما كان داعماً متحمساً لثورات الربيع العربي .. هذا الانحراف الكارثي لتاريخ المنطقة.

فرط حماس غير منطقي:

ارتكبت الولايات المتحدة، بحكومتها ومراكز أبحاثها وصحفييها ونشطائها، خطأ كبيراً بإيمانها أولاً ومن ثم المبالغة في الإطراء على الربيع العربي ورفع سقف التوقعات التي طالت حدود السماء، وما كان من الثوار إلا أن اعتقدوا أنهم جميعاً في مصاف الأبطال الذين يتحلّون بالنبل والذكاء والشجاعة، كانت الوعود تمنّي النفس بتغيير سريع على منوال الأفلام الهوليودية ذات النهايات السعيدة.

فرط الحماس هذا أدى إلى توقعات خائبة وبدورها أدت إلى غضب تجلى غالباً من خلال إراقة الدماء والعنف والنكران … وفوضى وثورات لانهاية لها. وبغضّ النظر عن أي أخطاء أو اختلافات حصلت فإن معظم الدول التي قُدر لها أن تمرّ بتجربة الربيع العربي دفعت ثمناً باهظاً، أخر دفعة منه كانت النمو السريع والدموي لنفوذ داعش، أو “الدولة الاسلامية” التي أصبحت خطرا يهدد الجميع.

من الملام في موضوع داعش؟

يقول “إيد حسين” عضو مجلس العلاقات الخارجية، أهم مراكز الأبحاث وأكثرهم نفوذا في الولايات المتحدة:

“كان الثوار السوريون ليكونوا أضعف بكثير اليوم لولا وجود القاعدة بين صفوفهم.. وبالمجمل فإن كتائب “الجيش السوري الحرّ” اليوم متعبة ومقسمة وعاجزة وفي حالة من الفوضى، ونظراً لشعورها بتخلي الغرب عنها تعاني قوات الثوار من تراجع متزايد في المعنويات إذ أنها تقارع نظام الأسد المتفوّق من حيث السلاح والجيش المحترف، ومن هذا المنطلق يمكن لمقاتلي القاعدة المساعدة في تحسين المعنويات، حيث أن تدفّق الجهاديين يجلب معه الانضباط والحماس الديني والتجربة القتالية من العراق، كما يجلب التمويل من السنّة المتضامنين في الخليج، والأهم أنه يجلب معه نتائج قاتلة، باختصار يمكن القول إن الجيش الحرّ بحاجة للقاعدة الآن”.

في سورية لم تحافظ الولايات المتحدة على مسافة واحدة من معسكرين كبيرين: المعسكر المؤيد للحكومة (ويضم ملايين الداعمين) والمعسكر المؤيد للمعارضة (وهذا بدوره كسب مع الوقت ملايين الداعمين.. لكن هذا الدعم كان أقل بكثير في البدايات)، في عام 2011 لم تقف أمريكا إلى جانب الشعب السوري … حتى أنها لم تقف إلى جانب “الغالبية السنّية” بل انحازت للمعسكر الذي طالب بالثأر لحماه ولمعسكر الربيع العربي الطائفي وغير الليبرالي، لقد انحازت عملياً لأي شخص يملك دوافع كافية لمساعدة أمريكا على إسقاط النظام، ولأي شخص يعرف كيف يقول ما هو مطلوب منه (أي بما لا يحرج الولايات المتحدة). لقد انحازت الولايات المتحدة للانتهازيين … أولئك الذين كانوا على استعداد لتلقي الأموال من قطر (التي أنفقت 3 مليار دولار في أول سنتين فقط) ومن السعودية والكويت والإمارات والغرب، تم إنفاق ما يقدر ب 10 مليار دولار حتى الآن على عملية إسقاط النظام.

لقد أُسبغت “مكانة مصطنعة” على الليبراليين القلائل في الثورة (من خلال إختيارهم للمشاركة في أجتماعات مع القادة الغربيين والتحدث إلى الإعلام واختيارهم لقيادة مجالس وتجمعات المعارضة) بينما كانت القوة الحقيقية وراء الكواليس منذ البداية هي الإخوان المسلمين (بدعم تركي وقطري) والتي انضمت إليها لاحقاً أطياف عديدة من المجموعات المتطرفة المسلحة المدعومة من السعودية والغرب.

وبفضل الربيع العربي فإن الليبراليين الذين أرادوا لعب أدوار مهمة في الثورة تعلموا أن يتبنوا مصطلحات دينية وأن يضعوا أيديهم في أيدي إسلاميين لطالما كرهوهم فيما مضى، وكان المسيحيون المعارضون مثل ميشيل كيلو وجورج صبرا من بين أكثر المتحمسين والمواظبين على الدفاع عن الثوار الإسلاميين.

أهم فلاسفة سورية، صادق جلال العظم، الذي دأب في الماضي على السخرية من الدين تحول بعد الربيع العربي لتبني قضية انتزاع السلطة من العلويين لصالح “الأغلبية السنّية” بأيّ ثمن.

أيقن الإسلاميون الآخرون أن كل ما يتطلبه الأمر هو أن يقصّروا لحاهم ويتعهدوا بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة وإسرائيل (“عدونا الأسد وليس اليهود”) وأن يكرروا في مقابلاتهم مع الإعلام الغربي أو عند حضور المؤتمرات أن حقوق الأقليات والنساء محط احترام لديهم. وكالعادة، الغرب والإسلاميين يستخدم بعضهم البعض.

وبدأت مراكز الأبحاث الأمريكية والغربية ووكالات الاستخبارات بتوظيف الخبراء ودعوة أعضاء أو متعاطفين مع تنظيم الإخوان المسلمين، وهو تنظيم مصنّف على قائمة الإرهاب حتى الآن في سورية ومصر والسعودية والإمارات، وتكشف وثائق وزارة الخارجية الأمريكية تقييماً أجرته إدارة أوباما عن حركة الإخوان المسلمين وباقي الإسلاميين خلص إلى نتيجة مفادها أن على الولايات المتحدة التخلي عن دعمها الطويل الأمد “للاستقرار” (الأنظمة الليبرالية) لصالح الإسلاميين.

وكشفت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” أنه في عام 2011 أجرى الرئيس أوباما مكالمات مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أكثر من أي زعيم آخر (بالإضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني).

وقبل سنة من ذلك نقل عن أردوغان قوله خلال برقيات من السفارة الأمريكية في تركيا: “الديمقراطية كالقطار ويجب علينا الخروج عند الوصول للمحطة التي نريد”.

ووصفت برقيات أخرى مقربين من أردوغان مثل وزير الخارجية أحمد داوود اوغلو بأنهم يؤمنون بأسلمة أوروبا واستعادة اسبانيا.

وقال تلميذ سابق لداوود اوغلو وهو البروفيسور بهلول أوزكان في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في آب الماضي: أوغلو مؤمن بقصص خيالية حول بعث الامبراطورية العثمانية الإسلامية التي ستحكم مناطق أوسع مما كانت تحكمها الامبراطورية القديمة.

واعتقد داوود أوغلو أن الدول التي أُنشئت بعد انهيار الامبراطورية العثمانية دول مصطنعة، وتنبّأ بأن الانظمة الدكتاتورية ستسقط وتستبدل بأنظمة اسلامية، ما يعني خلق حزام إقليمي من الاخوان المسلمين تحت القيادة التركية.

ولم يشعر الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون بالقلق من أن قياديي الاخوان المسلمين لم ينكروا أطماعهم في إنشاء حكومة إسلامية، وأن يحكموا كل العالم عندما يصبحون أقوى.

ولعبت كلينتون دوراً بارزا في تعزيز دور الاخوان المسلمون والقيادة التركية – القطرية للربيع العربي، لذلك يجب أن تتحمّل هيلاري كلينتون المسؤولية الأكبر عن هذا الخطأ الاستراتيجي الفادح.

ولحسن الحظ أنه بحلول عام 2013 أدركت معظم الشخصيات اليسارية في معسكر الثورة أنه من المستحيل التعامل مع الاخوان المسلمين وحلفيتها قطر.

وتجدر الإشارة إلى أن بعضاً من تلك الانتقادات اللاذعة للإخوان المسلمين كانت نتيجة إدراك شخصيات المعارضة بأن الولايات المتحدة توقفت عن دعم المشروع الاخواني بقيادة قطر وتركيا لصالح السعودية التي تكره هذا التنظيم.

يجب أن يستبدل القول الزائف بأن الثنائي الشرير (النظام وداعش) هما اللذان خطفا الثورة الديمقراطية السلمية بقول أكثر واقعية وهو أن أغلبية التحالف المناوئ للنظام مؤلف من ظلال متدرجة لتنظيم داعش … و في أفضل الحالات نجد ليبراليين طائفيين لا يستطيعون تحمل الشيعية والعلويين.

كانت الهتافات الأولى “الشعب السوري واحد” تهدف لمناشدة الغرب والأقليات في سورية .. ولكن كانت الطاقة الحقيقية خلف هتافات “لا لإيران ولا لحزب الله .. نريد رئيساً يخاف الله” … وشعارات تدعو للانتقام مثل “الشعب يريد إعدام الرئيس” … و “ما خرجنا الا نصرة لهذا الدين” …

وهذا لا يعني على الإطلاق أن كل الشعب السوري من هذا القبيل ولكن في الثورة يمكن أن  تهيمن ظلال متنوعة من الطائفية خاصة بين النشطاء المتحمسين.

ونما تنظيم داعش كما واصل معسكر الإطاحة بالنظام غض الطرف عن التدين والعنف لا بل تدريجيا الترحيب والإعجاب به أكثر فأكثر:

  • في البداية معظم المظاهرات كانت تخرج من المساجد وكان جميع المشاركين فيها من الذكور: قيل إنه أمر مقبول … ( علينا أن نحمي نساءنا من وحشية النظام).
  • وبعد ذلك بدأ المتظاهرون باتباع أوامر الشيخ العرعور الغريب الأطوار: وقد أُبلغنا انهم شباب متحمسون … وقيل حينها إنه أمر مقبول.
  • ومن ثم أصبحت الشعارات الطائفية وهاجس “العدالة” (الانتقام من الأسد ومؤيدينه) هو العرف السائد … وتم إبلاغنا أنه لا داعي للقلق، وقالوا: تذكروا هتافات المتظاهرين السلمية “الشعب السوري واحد” .. هؤلاء يمثلون روح الثورة الحقيقية.
  • بعد ذلك شكلوا الجيش الحر المسلح لكنهم تعهدوا بأنه فقط لحماية المتظاهرين السلميين الذين يحملون غصن الزيتون.
  • بعد ذلك عندما بدأ الجيش الحر أو عشرات الجماعات المتمردة المختلفة حينها بالتنامي بالحجم وبمهاجمة المدن … شرحوا ذلك بأن “الجيش الحر يحرر شعبنا في تلك المدن من جيش الأسد المجرم”.
  • كان الجيش السوري الحر دائماً يتواصل بلغة دينية … تم إبلاغنا أن هذا أمر جيد وأن علينا أن نفتخر أن أبطال حريتنا يؤمنون بالله.
  • ثم بدأت نسخ متطرفة أكثر من الجيش الحر بالظهور وبدؤوا يعلنون على الملأ كرههم لأي شيء ديمقراطي والتزامهم بإقامة دولة إسلامية في سورية … وتم الترحيب بذلك مجدداً من قبل الثوار الليبراليين الذين قاول في حينه إن “كل شيء سيكون بخير ومتمردونا أحرار ولهم الحق أن يطالبوا في سورية الجديدة بأي شيء بما في ذلك الدولة الاسلامية ولا داعي للقلق لأن الشعب السوري يريد الديمقراطية والثورة من أجل كل سوري … مسيحي أو علوي أو مسلم”.
  • بعد ذلك بدأت جبهة النصرة (فرع القاعدة في سورية) بالتفوق على كل المجموعات المتمردة الأخرى البالغ عددها (1200) مجموعة.
  • وقد صنفت الولايات المتحدة جبهة النصرة كمنظمة ارهابية لكن أغلبية الثوار والمعارضين السوريين احتجوا واعتبروا عناصر النصرة أبطالاً ومقاتلين من أجل الحرية، وعند هذه النقطة كان الليبراليون بمن فيهم بعض الملحدين الذين أعرفهم معجبين بالقاعدة وكانوا يدافعون عنها على أنها الجماعة المسلحة الأكثر نجاحا في محاربة الجيش الأسدي… وسمعت منهم روايات عديدة عن أخلاق النصرة … “هل تعلم أنهم يوزعون الخبر على الفقراء؟”
  • أصبح كره إيران والشيعة مقبولاً اجتماعياً ولم يعد هناك حاجة ليخفي المرء كرهه للعلويين والشيعة … البعض احتجوا لكن بشكل عام كانت هذه الشتائم تعتبر “وجهة نظر” ولم تتم مقاطعة أحد لكونه طائفي.
  • بعد ذلك ظهر تنظيم داعش وقال أشخاص معارضون لمؤيديهم أن لاثورة بخير … أجهزة الاستخبارات التابعة للنظام تدير داعش والدليل على ذلك هو أن النظام وتنظيم داعش لا يتقاتلان.

لكن بالفعل كم يختلف داعش عن جبهة النصرة؟ .. وكم تختلف جبهة النصرة عن الجبهة الاسلامية؟ .. وكم تختلف الجبهة الاسلامية عن “الجيش الحر” الذي مازال الجميع معجباً به حتى اليوم؟.

ولمعرفة المزيد عن كيفية نمو داعش (الشر بذاته)، اقرأ دراسة “الانزلاق إلى الشر” لعالم النفس فيليب زيمباردو .. الخط بين الخير والشر يمكن إختراقه تدريجيا .. فاليوم الكثير من الأشخاص الخيرون يدعمون تنظيم داعش أو يتحملونه وهناك أشخاص أكثر يدعمون جبهة النصرة … وغالبية ضمن المعارضة تدعم تسليح “الثوار” بغض النظر عن تطرفهم.

ماذا تريد الولايات المتحدة في سورية؟ ..  “لا شيء”

منذ بداية الصراع المسلح في سورية كنت أسأل أصدقائي المطلعين على توجهات صانعي القرار في أمريكا حول ماذا يفكر هؤلاء بشأن سورية.

وكان الجواب يدور حول الفكرة التالية: نحن في الحقيقة لا نهتم بسورية كثيراً، سورية بلد صغير ومعقد جداً.. وفائدة استثمار وقتنا فيها غير جذابة، نحن لا نملك حصاناً في هذا السباق.. كلهم يكرهوننا، وخاصة المعارضة ونحن نعلم ذلك، لا يوجد أناس جيدون في سورية، ما يهمنا فقط التأكد من عدم وجود اختراقات، لأن تعرض حلفائنا في لبنان والعراق والأردن وإسرائيل للعنف سوف يضطرنا للتحرك.

هذه التصريحات مغايرة للتصريحات الرسمية من قبل الإدارة الأمريكية التي تقول أنها تهتمّ للمعاناة الإنسانية في سورية وتدعم المعارضة، ومستعدة للانضمام أو قيادة تحالف لإسقاط الحكومة السورية.

إذاً لماذا يدّعي صانعو القرار الأمريكيون أنهم غير مهتمين بسورية، وهل حقاً سورية غير مهمة بالنسبة للولايات المتحدة أو أنها لا تتصل بمصالحها في الشرق الأوسط؟ … وهل فعلاً جميع القادة والنشطاء السوريين ( في الحكومة والمعارضة) على هذا القدر من الخلاف مع القيم الأميركية؟

حسب الدستور الأمريكي من المفترض أن تُدار السياسة الخارجية الأمريكية من قبل الرئيس والكونغرس لكن هناك تزايد لقوى أخرى تؤثر على القرار الامريكي كالصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي والمنظمات التي تطالب بالديمقراطية والمنظمات الإنسانية وإسرائيل واللوبيات العربية والنفط وشركات الدفاع ووكالات الاستخبارات والمنظمات المسيحية-الصهيونية المتطرفة.

للأسف منظومة إتخاذ القرار بأكملها بشكل عام لا تملك دوافع الاهتمام بما هو جيد لسورية، لقد استغرق الرئيس أوباما أكثر من عام ليعيّن (في 2011) روبرت فورد سفيراً في سورية، أعضاء في الكونغرس وصحفيون ونشطاء في مجال حقوق الانسان عارضوا ذلك … لدى سورية عدد كبير من الاعداء في واشنطن.

وسائل الاعلام الامريكية ومراكز الابحاث والناشطون على تويتر اصطفوا بشكل كبير إلى جانب “الثورة”، لا يجب توجيه اللوم لأوباما جراء القرارات الحمقاء بالاستمرار بتسليح “المعارضة المعتدلة”، إنهم كارهو النظام المتحمسين الذين استمروا ولم يتوقفوا عن تغطية أخطاء الثوار والمتمردين المريعة.

في عام 2010 إعترف المحلل المحافظ “لي سميث” في “ويكلي ستاندرد” أن العواطف السلبية ربما تتحكم بإتخاذ القرار عند التعامل مع سورية:

“النقاش حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع سورية يشمل العواطف والاستراتيجيا، انه نقاش ترتفع فيه المشاعر بشكل غير معقول تجاه بلد لا يملك أي شيْ من أهمية الصين وروسيا وإيران” … “نظام سوري معظم واشنطن تحب أن تكرهه” .. “العديد من هؤلاء الذين هم من أكثر المحتقرين للنظام السوري يوجدون في وزارة الخارجية الأمريكية”.

إن السياسات الأمريكية تجاه سورية تشكلت بنظام معقّد حيث أن مجموعات مختلفة بشكل مباشر أو غير مباشر تؤثر وتسيطر على النتيجة النهائية.

ولا تختلف الحكومات الجديدة عن بعضها كثيراً حيث أن مراكز القوى تعارض أي تحسن في العلاقات السورية الأمريكية.

فهم التدخلات الامريكية في سورية والشرق الاوسط  .. الانسانية والسياسة 

في كتابه المعنون “ليكسز وشجرة الزيتون” كتب /توماس فريدمان/ عن الحوار الخيالي بين وزير الخارجية الاسبق /وارن كريستوفر/ والرئيس السوري السابق /حافظ الاسد/ الذي تخيله فريدمان يقول فيه:

“انت تعرف ما الذي يزعجني منكم أيها الامريكيون ـ أنتم تريدون ان تحصلوا على كلا الحالتين في كل الاوقات، إنكم تريدون املاء المحاضرات على كل شخص حول قيمكم والحرية والتحرر لكن عندما تأتي هذه القيم في طريق مصالحكم الاقتصادية أو السياسية فإنكم تنسونها، انتم الاشخاص الذين يحتاجون الى اتخاذ قرار فيما اذا كنتم تريدون ان تكونوا قوة عظمى تمثل القيم العليا أو بائع متجول يمثل محلات السوبرماركت، اتخذوا قراركم وإبقوا بعيداً عن حياتي” … “سأقيم السلام مع اليهود فقط بطريقة تجعلني القائد العربي الوحيد الذي يعرف كيفية صنع السلام مع الحفاظ على الكرامة وليس بطريقة تذلني مثل طريقة عرفات والسادات .

بالعودة الى عام 1947:

“السياسيون في سورية ولبنان والعراق ومصر يبدو انهم انتخبوا لتسلم السلطة لكن السؤال ما هي هذه الانتخابات؟ فالفائزون هم إما مرشحون من قبل قوى خارجية ومالكي أراض كبار يخبرون المستأجرين والمزارعين عن طريقة تصويتهم أو أنهم محتالون أغنياء بإمكانهم شراء الاصوات، لكن شعوب هذه الدول أذكياء ولديهم مهارات طبيعية في السياسة، واذا كان هناك جزء في العالم  ينادي بالعملية الديمقراطية فإنه العالم العربي.”

كان هذا خطاباً لعضو في مجموعة من المفكرين في السفارة الامريكية في دمشق. هذه المجموعة حاولت أولا إصلاح العملية الديمقراطية في الشرق الاوسط (بدءا من سورية) … ولكنها بعد أن فشلت قررت لاحقاً أن الطريقة المثلى للمساعدة في أن تصبح سورية أكثر ديمقراطية هي تمويل ودعم أول انقلاب عسكري ضد قادة البلاد المنتخبين ديمقراطياً. (نقلا عن مايلز كوبلاند مسؤول الاستخبارات الأمريكية)

بالعودة الى عام 1868:

“إن المحاولة الامريكية الأولى لمساعدة العرب حدثت في سورية عام 1868.. فمخضرمو  الحرب الاهلية الأميركية قادوا 80 عربياً للقيام بثورة ضد الحكم العثماني، وبينما كانوا مسلحين بالبنادق وقذائف المدفعية اشتبك الثوار مع قوة عثمانية عظمى قرب مدينة حماه السورية وقتل الثوار والجمال التي كانوا يركبونها، وأعرب القنصل الامريكي في دمشق عن قلقه من ان الحادث قد يعطي المشرقيين انطباعاً بأن الأمريكيين يتعاطفون مع الجهود الرامية للإطاحة بالحكومات الاستبدادية وتشجيعهم على الانتفاضة، وعلى نقيض القوى الأوروبية فقد أكد ان مهمة امريكا كانت انسانية وليست سياسية”. (مايكل بي اورين :”امريكا في الشرق الاوسط منذ عام 1776 وحتى الوقت الحاضر”).

من الناحية النظرية وفي بعض الأحيان من الناحية العملية تتدخل الولايات المتحدة لتعزيز مصالحها وقيمها الاخلاقية، ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يدرك ذلك تماماً، فعندما التقى عام 2011 بمؤيدي اسرائيل بالولايات المتحدة أكد لهم التالي :”عندما تدعمون اسرائيل لا تختاروا بين مصالحكم وقيمكم لأنكم تحصلون على الاثنتين معاً”.

تسعى الولايات المتحدة بشكل  جدي ومتواصل الى التحالف مع دول الشرق الاوسط التي باستطاعتها التأثير إيجاباً أو سلباً على المصالح الامريكية ومن بينها الدول القوية مالياً والدول التي لديها جيش قوي أو الدول التي لديها عدد سكان كبير.

ولكن لكي تنعم بصفة “الحليف الغالي” للولايات المتحدة يجب على دول الشرق الأوسط ذات  التأثير أن تتصف إلى حد معين ببعض القيم الأمريكية: وهي احترام أمن إسرائيل واعتماد منهج اقتصاد السوق والإعتدال (بتعريف الولايات المتحدة) و الى حد ما تبني الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولا تستطيع الدول العربية الأخرى الحليفة لأمريكا أن تصل الى مستوى الحليف المفضّل (إسرائيل).. فالسعودية تخدم المصالح الامريكية (كونها قوة مالية وزعيمة الإسلام السنّي) لكنها بعيدة بشكل واضح عن التماشي مع القيم الامريكية، بينما لبنان بلد ديمقراطي يحترم حرية التعبير وحقوق المرأة  وحقوق الاقليات لذلك فإنه الولايات المتحدة تفخر بأن يكون حليفاً لها، لكن لبنان بلد ضعيف لا تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد عليه عسكرياً أو سياسياً أو اقتصادياً. و كذلك الأردن يعد بلداً عربياً معتدلاً لكن ليس ديمقراطياً ولا حليفاً مؤثراً.

بعبارات أخرى تعد إسرائيل الوحيدة في الشرق الاوسط التي تسجل أهدافا كبيرة في كلا الاتجاهين (على الرغم من معاملتها المروعة للفلسطينيين في الاراضي التي تحتلها وعلى الرغم من انتهاكها عشرات قررات الامم المتحدة … لكن هذه قصة أخرى).

لذلك أين المكان الذي يناسب سورية في هذا التصنيف الثنائي الأبعاد ؟

منذ عام 1970 كانت سورية تسعى باستمرار نحو وضع نفسها بالمكان الأقرب للتناغم مع المصالح الأمريكية والتماشي مع القيم الأمريكية … حيث توجد إسرائيل فقط .

لكن سورية أرادت أن ” تأكل كعكتها” وأن تحافظ عليها أيضاً… أرادت أن تحافظ على استقلالية قرارها بما في ذلك حق الاعتراض/ ونجحت غالباً في ذلك/ على المبادرات الامريكية التي تراها القيادة السورية غير عادلة أوخطيرة، لكنها كانت تأمل بأن تبدي الولايات المتحدة بعض التفهم والاحترام لحق سورية بعدم التوافق مع الرغبات الامريكية.

ولسوء الحظ فإن الولايات المتحدة لم تكن متأكدة أنها بحاجة للتسامح مع بلد ليس كبيراً من حيث المساحة والسكان، وليس غنياً وليس متوافقاً مع القيم الامريكية بما فيه الكفاية،  بالرغم إن سورية تحقق بعضاً من مطالب القيم الاخلاقية الامريكية: فهي دولة علمانية تحترم حقوق الاقليات والحقوق الدينية وحقوق المرأة… وبقيت دائماً متوازنة وبيعة عن الحماقة في مقاومتها المدروسة بعناية للاحتلال والعدوان الاسرائيلي وتبنت صيغة مناسبة للوضع السوري لسوق اقتصادية حرة … لكنها ليست ديمقراطية وينقصها استيعاب المعارضة السياسية.

والنتيجة كانت صدّ سورية وتحجيمها كلما عملت على زيادة تأثيرها وتأكيد احترامها، فمن الذي يحجّمها؟ إنها دائماً الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة وفي أوروبا… ولكن كيف يفعلون ذلك؟

  • بواسطة وسائل عسكرية واقتصادية: الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، المتمردون/الجهاديون في حرب تغيير النظام الحالي ودعم إرهاب الأخوان عام 1979، المقاطعة الاقتصادية، وعدم تقديم قروض ومنح…
  • بواسطة إذلالها وتشويه صورتها: المقاطعة الدبلوماسية وإدراج سورية في قائمة الدول التي تدعم الإرهاب, الهجمات الاعلامية، تضخيم خروقات سورية لحقوق الانسان، قرار الامم المتحدة الذي أجبر سورية على الانسحاب المذل من لبنان عام 2005.

في عام 1978 عارضت سورية معاهدة السلام المنفصلة التي وقعتها مصر واسرائيل بوساطة امريكية بحجة أنه عبر إبعاد مصر فإن اسرائيل لن يكون لديها حافز لإعادة الاراضي المحتلة الى سورية والفلسطينيين. التاريخ أثبت لاحقا أن سورية محقة بالطبع لكن إدارة كارتر قررت معاقبة سورية فهناك دعم للاخوان المسلمين من خلال حلفاء امريكا الاقليميين وأساليب دعم أخرى، وأيضا بفرض عقوبات اقتصادية ضد سورية وإذلال وعزل حافظ الاسد. وأنتج الامريكيون “قائمة دول تدعم الارهاب” وتم اختراع هذه القائمة عام 1979 خصوصاً من أجل سورية، ولغاية اليوم تعد سورية الدولة الوحيدة التي تبقى دائماً ضمن هذه القائمة (لإيوائها إرهابيين مثل خالد مشعل على سبيل المثال .. على الرغم من أنه يعيش حالياً في دولة قطر بدون أي إحتجاج من حليفتها الولايات المتحدة).

هل تدرك أن الولايات المتحدة أدرجت مؤخراً سورية على قائمة الدول التي لا تفعل ما يكفي لمحاربة العبودية؟

وبعبارات أخرى: قررت الولايات المتحدة بشكل دوري الضغط على سورية لإضعافها عسكريا، إقتصاديا … وأخلاقيا

ولكن سورية كانت تنجح دائماً في التعافي وتوسيع قوتها واستعادة احترامها إلى حد معين.. إلى أن تعرضت لحملة جديدة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، والهدف كان تحجيمها مجدداً.

ولتبيان المسار الذي خاضته سورية منذ العام 1970، سأورد مقاطع من مقالين مختلفين نشرا في صحيفة الشرق الأوسط.

المقال الأول لصحفي وأكاديمي معروف هو مأمون فندي الذي كتب مقال رأي في أيلول عام 2005 عندما كانت سورية تعاني العزلة والإذلال والضعف، ناصحاً فيه قادة سورية بالاستسلام:

يقول مأمون فندي:” سورية الآن تواجه مشكلة حقيقية، ما الذي يمكن القيام به لإنقاذ الشعب السوري وتجنيبه دفع ثمن القرارات الخاطئة التي تتخذها قيادته؟ الحل يكمن في عقد اجتماع يضم الدول العربية كافة بما فيها سورية شرط أن تبقى دمشق مستمعة دون السماح لها بتقديم واحد من خطاباتها الطويلة.. إن الهدف من هذا الاجتماع هو إعطاء سورية الغطاء السياسي لخروجها من عنق الزجاجة الحالي، ومن شأنه أيضاً تقديم سورية ضمن إطار معين للحفاظ على كرامتها بالنظر لأنها تخلّت عن حزمة السياسات التي تعكس حالة من التعنت، بدون هذا الانسحاب السوري السريع وبدون تدخل سياسي عربي عاجل سنرى سورية تتحرك نحو الجحيم بسرعة الضوء، وستبقى مجموعة من الحمقى العرب تصفّق لسورية بينما هي تتجه نحو الدرك الأسفل من القومية العربية، آمل أيضاً بأن لا تتخيل دمشق أن هذا السيناريو سوف يستغرق سنوات عديدة ليتم تنفيذه، أو أن نظام بوش قد يغادر قبل أن يؤثر كلياً على سورية”.

وفي تناقض صارخ مع ما ذكر أعلاه، قال الصحفي السعودي عبد الرحمن الراشد  والمعروف بنقده المستمر لسورية، في مقال بتاريخ 28 حزيران 2010، “ان سورية اليوم هي البلد الوحيد الذي يلعب في الساحة بشكل مستمر وفي كل الاتجاهات ويمسك بمفاتيح العديد من النزاعات رغم أن مصادر قوتها محدودة فلا جيش قوياً ولا إمكانيات مادية كبيرة، وفوق كل ذلك هي محاصرة من أمريكا، سرّ النفوذ الذي تتمتع به سورية يكمن في مهارتها السياسية والدبلوماسية، فهي تخترع وقائع جديدة، وتفرض أجندات لم تكن ممكنة في السابق، وتجعل المنطقة مشغولة في الاتجاه التي ترسمه، وليس العكس”.

ويتابع قائلاً: “بل إنني لاحظت أن السوريين مبدعون في تمكين لاعبين خارجيين من لعب أدوار على الساحة العربية.. وهم ماهرون في استخدامها بشكل فعال. فعملياً هم من اخترع الأتراك كوسيط في التفاوض مع الإسرائيليين. وبعد غياب دام نحو ثمانين عاماً، وبسبب سورية، أصبح رجب طيب أردوغان اليوم رقماً مهمّاً في الملفين الفلسطيني والإيراني”.

“قبل الأتراك منحوا دوراً للإيرانيين الذين من دون دمشق لم يكن ممكناً أن يلعبوا أي دور، أيضاً اخترع السوريون دوراً لقطر وساعدوها في حل النزاع اللبناني في 2008، وهم أيضاً من ساعد القطريين في فتح محادثات مع حركة حماس. كما لا ننسى أن السوريين الذين كانوا على خلاف مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك هم من أعطوا “نيكولا ساركوزي” دوراً في المنطقة وجعلوه وسيطاً غربياً وحيداً.. وهو بدوره سعى لفتح خط لدمشق مع واشنطن.. ومن دون السوريين لم يكن لساركوزي أي دور هنا”.

من الواضح أنه بحلول عام 2010 كانت سورية تلعب دوراً أكبر بكثير مما يمكن أن يقبل أو يعترف به العديد من خصومها.

مرة أخرى، حان الوقت لإسقاط سورية.. وهذه المرة باسم الربيع العربي بقيادة تركيا وقطر وفي البداية كان الهدف هو وضع السلطة في يد تركيا التي حاولت ضمان قيادة حلفائها (الإخوان المسلمين) للحكم في كل بلد يجتاحه الربيع العربي.

في سورية حاولوا أولاً إقناع الرئيس الأسد، الذي كان يتمتع بشعبية عالية، أن يبقى كرئيس صوري.. ولكن عندما لم يلبّ ما أرادوه بدأوا يطالبون بتنحيته “جانباً”.

الولايات المتحدة تريد لسورية أن تكون لبنان وللأسد أن يكون السادات:

 ” بقي بيغن متعنتاً، وكارتر أقنع السادات بالتخلي عن مطالبته بإقامة دولة فلسطينية”.

(من الفيلم الوثائقي “حرب الخمسين عاماً“).

“رجل ذو تألق غير عادي ويتمتع بحسّ جيد من الفكاهة … عنيف وشديد الحماس لفكرة القومية … هو من أولئك الأشخاص القادرين على الكسب في لعبة البوكر (السياسي) بالرغم من أوراقه الغير رابحة … وهو أذكى سياسي في الشرق الأوسط”.. هذا كان انطباع هنري كيسنجر عن حافظ الأسد.

إن الولايات المتحدة لا ترغب في التعامل مع القادة العرب الأذكياء والمتحمسين بشدة للقومية وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل كارتر في نهاية المطاف يختار العمل مع السادات في مصر بدلاً من سورية حافظ الأسد.

ذهب السادات إلى كامب ديفيد من دون استعداد وعندما وُضع أمام بعض التكتيكات التفاوضية الإسرائيلية المتشددة التي تبعتها بعض الضغوط الأمريكية، تخلى ببساطة شديدة عن مطلب مصر في العودة الى حدود عام 1967، لا قدس، لا ضفة غربية, لا غزة، ولا مرتفعات الجولان، لذلك فان الولايات المتحدة أحبّته وتبنته كحليفها العربي المفضل.

جعل السادات الأسد وسورية يبدوان غير منطقيين بالمقارنة مع مرونته التي لا حدود لها، معظم القادة العرب الآخرين أظهروا استجابة مماثلة للمطالب والتوصيات الأمريكية، هؤلاء أصبحوا معروفين ب”العرب المعتدلين”. كان من الصعب التفاوض مع سورية, ربما بقدر صعوبة التفاوض مع إسرائيل وقيادة الليكود حينذاك.

قد تكون الولايات المتحدة ديمقراطية ضمن حدود دولتها, ولكن على الساحة الدولية تقوم بالضغط على “القادة العصاة” للدول الأضعف حتى يخضعوا أو تتم إزالتهم… أو على الأقل إزعاجهم بإستمرار.

على سبيل المثال: “مصدّق في إيران عام 1953.. وبشار الأسد في سورية عام 2005″.

ما يريده الشعب في سورية لا يهمّ كثيراً، ففي العام 2005 قام المحرر المساعد لدى صحيفة واشنطن بوست “ديفيد ايغناتيوس” بزيارة سورية في الفترة التي كانت تهدد فيها إدارة بوش سورية علناً بأنها ستكون التالية(بعد العراق)، وقال ايغناتيوس في مقال تحت عنوان “الحذر مع سورية”: “إنه من الصعب أن تجد سورياً لا يريد الأسد أن يبقى, حتى ولو كرئيس صوري على الأقل”، ومع ذلك أقترحُ أنه يجب على السفارتين الامريكية والفرنسية في دمشق العمل على تعزيز ودعم أي طرف يريد في نهاية المطاف الإطاحة بالرئيس الذي يتمتع بالشعبية: “سوف تكون هناك حاجة إلى المزيد من الضغط على سورية في حال قام نظام الاسد بتحدي الأمم المتحدة بشكل صريح … وعلى أمريكا وفرنسا توسيع التواصل مع المنشقين ومجموعات حقوق الانسان والفنانين وأساتذة الجامعات السوريين – وفي الحقيقة مع كل شخص لديه الاستعداد للتواصل مع الأطراف الخارجية- … يجب عليهما( واشنطن وباريس) إيصال رسالة مفادها أن الغرب يقف بجانب الشعب السوري الذي يتحرك باتجاه المستقبل، وبأنه عندما تكون سورية جاهزة حقاً للتغيير فسيكون بالإمكان توفير ممر آمن لهذا التغيير”.

عندما ضربت الموجة الأولى من مظاهرات الربيع العربي سورية، قُدّمت للرئيس الأسد قائمة بعشرة أسماء لشخصيات “معارضة معتدلة” يمكن أن تكون مناسبة لتشكيل حكومة ائتلاف وطني ترضي معارضي النظام، القى الرئيس نظرة الى القائمة وقال لصديقي الذي قدمها ان اثنان فقط من الاسماء العشرة هم سوريون وطنيون والثمانية الاخرون هم من “جماعة السفارات”. جماعة السفارات هم من الفنانين والمفكرين الليبراليين والاكراد وغيرهم من معارضي الحكومة الذين يتواجدون دائما في السفارات الامريكية والفرنسية والبريطانية، أي هؤلاء الذي اقترح ديفيد ايغناتيوس التعاون معهم. ورأت الولايات المتحدة أنه من الطبيعي ان تمارس نفوذها وتعمل على تنظيم وتعزيز، أو غسل أدمغة الناشطين المحليين.

في 2006, قام وليام روبوك, الذي كان حينها القائم بالأعمال ومسؤولاً عن السفارة الامريكية بغياب السفير في دمشق, بكتابة برقية ترسم استراتيجيات زعزعة استقرار الحكومة السورية، وقال روبوك في ملخصه للبرقية:

“نحن نعتقد بان نقاط الضعف لدى بشار تكمن في كيفية اختياره للرد على القضايا التي تلوح في الافق, سواء المتصورة او الواقعية, كالصراع مثلا بين خطوات الاصلاح الاقتصادي (مهما كانت محدودة) والقوى الفاسدة المتأصلة.. بالإضافة إلى المسألة الكردية والتهديد المحتمل للنظام المتمثل في التواجد المتزايد للمتطرفين الاسلاميين العابرين.

تلخّص هذه البرقية تقييمنا لنقاط الضعف هذه وتقترح أن يكون هناك تحركات وبيانات وإشارات من الممكن للولايات المتحدة ارسالها والتي من شأنها ان تزيد احتمالات مثل هذه الفرص الناشئة” … أي احتمالات مثل هذه الصراعات و التهديدات الناشئة التي تحبذها الولايات المتحدة.

وفي برقية أخرى يكتب روبوك:

“تحرك محتمل: اللعب على المخاوف السنية من النفوذ الايراني، هناك مخاوف في سورية من ان الايرانيين ينشطون في التبشير الشيعي ويستهدفون السنة, وخاصة الفقراء منهم. مثل هذه المخاوف، وإن كانت في كثير من الاحيان مبالغاً بها، تعكس حال جزء من الطائفة السنية في سورية الذين يتزايد استياؤهم من انتشار النفوذ الايراني في دولتهم عبر نشاطات مختلفة بدءاً من بناء المساجد ووصولاً إلى الأعمال. كلا البعثتين المحليتين المصرية والسعودية (وكذلك بعض البارزين من القادة الدينيين السوريين من الطائفة السنية) يعيرون اهتماماً متزايداً لهذا الأمر ويتوجب علينا التنسيق عن كثب مع هذه الحكومات بخصوص الوسائل لزيادة لفت الانتباه الإقليمي لهذا الشأن”.

القادة العرب الذين يعرفون حدودهم يكسبون احترام امريكا ماداموا على قيد الحياة، عندما يقوم هؤلاء بزيارة العاصمة واشنطن يحظون بترحيب رسمي في البيت الابيض وتحجم “كريستيان أمانابور” عن محاولات إذلالهم عندما تجري معهم مقابلات على محطة “سي ان ان”, وعندما يموت هؤلاء يحضر جميع الرؤساء والوزراء الامريكيين السابقين الذين مازالوا على قيد الحياة لتأبينهم.

عندما قام أنور السادات بالتخلي عن فلسطين والحقوق العربية الأخرى, قامت مجلة التايمز بوضع صورته على غلافها سبع مرات, أربعة منها خلال سنة واحدة، وتم كذلك منحه لقب رجل العام من قبل مجلة التايم.

إذاً أي نمط لسورية ترغب الولايات المتحدة رؤيته؟ “سورية ديمقراطية” طبعاً.. ولكن أي نوع من الديمقراطية؟

بين عامي 2003 و 2008, قامت الولايات المتحدة باتهام سورية بالتدخل في الشؤون اللبنانية.

في الاول من آب عام 2007 أصدر الرئيس بوش قراراً تنفيذياً تحت عنوان: “حجب ممتلكات الاشخاص الذين يقوضون سيادة لبنان او عملياته الديمقراطية او مؤسساته”، وأي شخص يتورط في اي عمل, سواء أعمال عنف أو غيرها من الأعمال, ضد حكومة لبنان يعرّض ممتلكاته لخطر التجميد.

صرّح بوش أن “التدخل السوري في لبنان يشكل تهديداً استثنائياً وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة”, وقال: “ولهذا أعلن حالة طوارئ وطنية للتعامل مع هذا التهديد.”

لمحاولة فهم سر الإهتمام البالغ بالديمقراطية اللبنانية يكفي الاطلاع على ويكيليكس 2606 (كانون الاول 2006) وهي عبارة عن برقية تم ارسالها من قبل السفير الامريكي جيفري فيلتمان لواحد من المحافظين الجدد التابعين لإدارة بوش وهو إليوت ابرامز، بدا السفير كأنه راض ومستمتع:

“على الجانب الإيجابي أشاد الحريري بصدق واضح بأداء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة خلال الأزمة, ان النصيحة القوية التي قدمناها نحن والفرنسيون له باختيار السنيورة وتفضيله على خياره الأول (بهيج طبارة وزير العدل السابق) كان الاختيار الصحيح.. ولكن ما كان مشجعاً في إشادة سعد الحريري بالسنيورة كان الاقتراح أن كليهما سيكونان قادرين على التعاون بعيداً عن الخصومات والغيرة التي شابت علاقتهما سابقا هذه السنة. بشكل عام, نحن نعتقد أن السنيورة قام بعمل جيد عندما لم يضطر أن يقلق بخصوص سعد, الاقل خبرة ولكن الاكثر قوة سياسياً، عندما لم يكن خياره الأول.”

وبهذا تستطيع الولايات المتحدة وفرنسا تسمية رئيس وزراء للبنان من خلال تقديم “نصيحة قوية” لقائد التحالف الذي ربح انتخابات عام 2005 دافعاً إياه للتخلي عن خياره هو لرئيس الحكومة (طبارة) والقبول بخيار أمريكا (السنيورة).

كما أقر السيد فيلتمان لاحقاً بأن الولايات المتحدة وحلفاءها أنفقوا حوالي 500 مليون دولار في محاولة إضعاف التحالف السياسي (عون – حزب الله) الموالي لسورية. وتظهر برقيات وكيليكس أخرى انه كان لسفيري الولايات المتحدة وفرنسا بشكل عام تأثير قوي على عملية صنع القرار لقادة لبنان … المنتخبين ديمقراطياً.

هذه هي الديمقراطية التي اتهمت الولايات المتحدة سورية بتهديدها، انها كذلك النموذج المفضل للديمقراطية الذي تم ترويجه لسورية بعد الربيع العربي من قبل الولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية، هم يريدون تحويل سورية إلى ديمقراطية لبنانية اخرى تكون دائماً ضعيفة وتعتمد على قوى خارجية لحل صراعاتها الداخلية، وتكون دائماً في خضمّ صراعات لا تنتهي لانها ستعاني من نفس التعقيد المتعدد الأبعاد الذي تعاني منه السياسة اللبنانية حيث كل سياسي يأخذ بعين الاعتبار رغبات أربعة زعماء: رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية والزعيم الديني المفضل لديه (نصر الله, البطريرك صفير, شيخ العقل, المفتي ..) والقوة الاقليمية او الخارجية التي تدعمه او تدعم حزبه (سورية, ايران, الولايات المتحدة, اسرائيل, فرنسا, السعودية…) وربما ايضا زعيم سياسي محلي والتي تحظى عائلته بثقة أتباعه لقيادتهم وحماية مصالحهم الطائفية (جعجع, الحريري, جنبلاط, جميل, شمعون, فرنجية, عون…)، سيكون من المقلق تصور ذات الشيء لسورية، ستعاني المنطقة كثيراً من انعدام استقرار سورية مع الأخذ بالحسبان أن سورية أكبر بكثير من لبنان و لديها تأثير وحدود مع نقاط ساخنة أخرى كالعراق وإسرائيل والمناطق الكردية في تركيا. وجود سورية غير فاعلة سيكون من شأنه خلق المزيد من التنافس بين قوى المنطقة, الامر الذي سيؤدي الى حالة مستمرة من عدم الاستقرار.

في حال كانت الولايات المتحدة مهتمة في وضع مصالحها جانبا والتركيز على مصالح سورية والشرق الأوسط فهناك مجال لتكون هناك اصلاحات دستورية ذات قيمة بشرط ان لا تشكل تهديداً لاستقلالية واستقرار الدولة، يجب أن لا يكون الدين جزءاً من السياسة السورية ويجب ان لا يكون منصب الرئاسة (أو رئاسة الوزراء أوعضوية البرلمان) مفتوحاً لمن يدفع أكثر في السعودية أو قطر.

خيارات الولايات المتحدة في التعامل مع ازمة داعش:

الخيار/1/: تسليح وتدريب المتمردين المعتدلين بضع سنوات أخرى = حرب استنزاف.

“حتى في عصر الأسلحة الدقيقة، الحرب هي الجحيم، يمكن أن تكون متحضرة إلى حد ما بالالتزام بقواعد السلوك ولكن الشيء الأكثر إنسانية الذي يجب القيام به هو وضع حد لها في أسرع وقت ممكن”.

هذا ما جاء في مجلة تايم خلال استذكارها لقصة” طريق الموت” حيث قتلت الطائرات الأميركية

الآلاف من الجنود العراقيين بعد انسحابهم من الكويت.

بحلول منتصف عام 2011 انتقدت الولايات المتحدة بشدة النظام السوري واتهمته بقمع المتظاهرين بعنف ما أدى في ذلك الوقت إلى سقوط مئات من الضحايا، وبقرارها العمل على بناء قوة مقاتلة من 10 آلاف من المتمردين المعتدلين فإن هذا القرار سيمدّ من أمد الحرب لسنوات وهو ما يعني أيضاً سقوط عشرات الآلاف من القتلى.

حتى الآن لا يزال الرئيس أوباما يحاول كبح وإبطاء حليفيه الرئيسيين /تركيا والسعودية/ اللتين تدفعان الولايات المتحدة إلى فتح مخازن أسلحتها “للثوار المعتدلين” غير الموجودين أصلاً. المبعوث الرئاسي جون ألين قال في مؤتمر صحفي بشأن مكافحة داعش ” إن هذا لن يحدث على الفور .. نحن نعمل على تأسيس مواقع التدريب الآن، وسوف نذهب في نهاية المطاف من خلال عملية التدقيق والبدء في احضار المدربين والمقاتلين للبدء في بناء تلك القوة”.

ولكن كل شىء ممكن … على مدى السنوات الثلاث الماضية قاد زحم الصراع في سورية الدول المشاركة لزيادة التزاماتهم أكثر مما كان مخططاً له في البداية.

الخيار /2/: جنود على الأرض.. ولكن من؟

ليس لدى الولايات المتحدة حلفاء مؤهلين في حربها ضد داعش وغيرهم من المتطرفين اليوم. فيما يلي ما هو مطلوب (وغير متوفر):

  • جيش قوي وكبير بما فيه الكفاية.
  • سيبقى هذا الجيش ملتزماً بالقتال لسنوات بالرغم أنه سيسقط منه عشرات الآلاف.
  • جيش من شأن الشعبين السوري والعراقي أن لا يعترضا عليه.
  • بلد (وقيادة سياسية) تشجعه الولايات المتحدة (وحلفاؤها) ولا تعترض لرؤيته يزداد أهمية ونفوذاً كما هو متوقع بعد أن تعلنه واشنطن شريكاً في هذه المعركة البالغة الأهمية.

المعايير المذكورة أعلاه تستثني الجيوش التالية: اسرائيل، سورية، تركيا، العراق، إيران والسعودية والأردن ومصر و”الجيش السوري الحر”.

تركيا تحت قيادة أردوغان أقرب عقائدياً للمتمردين المتطرفين في سورية منها إلى الغرب الليبرالي. هي تفضل محاربة الأكراد وليس قتل المسلمين /داعش والنصرة/. وستقوم السعودية بالانتحار إذا ارسلت جيشها لمحاربة الآلاف من المتمردين الوهابيين السعوديين في سورية. ومصر مشغولة جداً مع التحديات الداخلية ووضعها الخاص حيث بدأ جيشها العمل على محاربة المتمردين المتطرفين في ليبيا المجاورة.

الأردن بلد صغير جداً وفيه شريحة كبيرة من السكان المتعاطفين مع داعش وإسرائيل ليست مهتمة أو قادرة على محاربة الجهاديين في سورية والعراق لسنوات، وقد صُمّم الجيش العراقي من قبل الولايات المتحدة ليكون غير ايديولوجي وهو أقرب إلى قوة شرطة من جيش حقيقي وقد فشل حتى الآن في قتال داعش. إيران قوية ودوافعها كافية لمحاربة الجماعات الوهابية التي يكرهها الشيعة، ولكن لا تزال إيران تصنَف على أنها عدو للولايات المتحدة والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة ستخاطر بتنفير جميع حلفائها الآخرين (من السعودية الى اسرائيل) في حال أقامت شراكة مع إيران في سورية والعراق.

الجيش الجديد المكوَن من المتمردين المعتدلين؟..

بالإضافة الى استنتاجات الاستخبارات المركزية الأمريكية /سي آي ايه/ بأن “تسليح المتمردين نادراً ما ينجح”، فإن المتحدث باسم ” الجيش الوطني الجديد” للمتمردين قال مؤخراً في مقابلة على تلفزيون أورينت: “نحن كجيش وطني يجب أن نستوعب جميع المجاهدين ونرحب بهم”. إن نظرة على أول دفعة من الجنود المدربين توحي بأنهم ليسوا علمانيينً. ببساطة متناهية وبصراحة: القتال والموت يحتاجان إلى أن تكره عدواً وأن تحبّ قضية، ومعظم هؤلاء الثوار المعتدلين لن يموتوا وهم يقاتلون غيرهم من الإسلاميين، ولن يموتوا من أجل الديمقراطية والحرية… ولا من أجل سورية التي نادرا أن يتم ذكرها بتسجيلاتهم المسموعة أو المرئية.

نعم هناك حل… لكنه يحتاج إرادة قوية وسنوات عديدة وقطيعة مع الماضي:

الحل يستوجب إرادة القوية وسنوات عديدة وهناك قائمة طويلة من التحديات الهائلة التي لم يتم الاعتراف بها أو تقييمها أو التعامل معها  بالشكل المناسب. عموماً، هذه التحديات هي بمثابة تذكير بأننا بعيدون عن رؤية نهاية للصراعات المختلفة في سورية وبلاد الشام والشرق الأوسط ككل.

وهنا بعض من أهم التحديات:

  • عندما تكون العلاقات بين الولايات المتحدة والنظام في سورية في أسوأ حالاتها، فإن ذلك يرتبط دائماً بالمزيد من الفوضى في الشرق الأوسط. ونحن الأن في مثل هذه الحالة.
  • حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج يشعرون بالهلع إزاء الأخبار التي تتحدث عن اتفاق أمريكي – إيراني يلوح في الأفق.
  • المملكة العربية السعودية في شكلها الحالي، ليست مستدامة والصراع على السلطة بالسعودية يؤثر على تطورات الأحداث في سورية والعراق ولبنان، ولكن إحداث تغيير جذري فيها يحمل مخاطر جمّة.
  • تركيا تحكمها ايديولوجيات خطيرة وطموحات إقليمية بعيدة المدى، إنه بلد بأيديولوجيات وولاءات متضاربة وربما لا يمكن التوفيق بينها (الاسلامية والعلمانية والكردية …)، فتركيا هشّة.
  • الدول الدينية /الطائفية: إيران والسعودية وإسرائيل تشكل تهديداً لبعض دول الجوار.
  • بعد عقود من النشاط الوهابي، فإن عدد المتشددين دينياً يفوق بكثير عدد الليبراليين في دول الشرق الأوسط التي كانت علمانية فيما مضى.
  • هناك صراع شديد بين الليبراليين والمتطرفين الدينيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
  • ليس هناك حل سهل يرضي الأكراد ولا يهدد سلامة واستقرار الدول الأربع التي تحدّ “كردستان”.
  • سيستمر الصراع العربي الإسرائيلي والانحياز الأمريكي لإسرائيل في تعقيد الحلول لكثير من الصراعات.
  • لبنان ليس البلد الذي يمكن أن يستقر عندما يكون هناك صراعات إقليمية، فالقوى الإقليمية  تفسل بإدارة لبنان عندما لا تتحاور مع بعضها.
  • تنظيم الإخوان المسلمين (وتركيا وقطر من ورائه) هو الآن في حالة حرب مع الجميع وفي كل مكان ولا ينوي قبول الهزيمة.
  • الذين يرغبون في تكوين كيانات أكبر أو حماية الحدود الحالية سيواجهون، وربما سيتحاربون، مع أولئك الذين يريدون تقسيم بلادهم إلى كيانات جديدة أصغر أكثر تماسكاً،(وهذه مشكلة عالمية).
  • الولايات المتحدة لا تحظى بشعبية كبيرة بين حلفائها في الشرق الأوسط وقد استنفذت الأفكار حول كيفية معالجة هذه المشكلة (دعم الربيع العربي والقيادة التركية للعالم الإسلامي كان آخر المحاولات الفاشلة).
  • الحدود السياسية تواجه تهديدات من قبل القوى التي تسعى لإقامة حدود على أسس طائفية.
  • الشباب (أغلبية سكان منطقة الشرق الأوسط) أكثر أنانية، وغير صبورين وأقل خضوعاً لأي قيادة، وسيكون من الصعب إدارتهم وإرضائهم والحفاظ على الإستقرار مع توفير المزيد من الحريات لهم وللجميع.
  • العديد من الاستراتيجيين الأمريكيين والإسرائيليين يفضلون النزاعات الجارية ويستمرون في تنسيق جهودهم في هذا الاتجاه بنجاح، هدفهم هو إضعاف أو تقسيم جيران إسرائيل، وربما الانتقال إلى مجموعة من المواجهات العسكرية السنية – الشيعية على أن تبقى تحت السيطرة (هذه ليست “نظرية المؤامرة” … إنها سياسة “الاحتواء المزدوج”).
  • سورية ومصر مفلستان ويستمر سكانهما بالنمو السريع والمطالبة بالدعم الحكومي ومجانية التعليم والطبابة.

إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن تعزيز القيم الأخلاقية، فإنها بحاجة للعمل مع الجميع وليس فقط مع حلفائها/العملاء على كل التحديات المذكورة أعلاه.

في هذه المقالة الطويلة تناولتُ قصة العلاقات الأميركية السورية. هناك الكثير مما يجب أن يقال ولكن يجب على الولايات المتحدة أن تعمل وفق بيان الرئيس أوباما حول الشرق الأوسط  في ايار 2011 عندما حذر من أن “الوضع الراهن غير قابل للاستمرار بعد الآن”. حان الوقت لإيجاد حلول بناءة وخلاقة، إسقاط الغضب، الطائفيين، النرجسيين، الإنتهازيين … وتشكيل التحالفات الجديدة التي هي على مسافة واحدة من الخصوم في كل صراع.

أما بالنسبة لمسألة إقامة علاقات أفضل مع سورية (أو ذلك الجزء من سورية الداعم للحكومة التي حُجّمت بشكل خاطىء لتصبح “النظام”).. فبما أن الهيكل القيادي الحالي (بما في ذلك الجيش السوري) لن يشهد تغييراً في أي وقت قريب وبما أن سورية والمنطقة لا تحتاج إلى دفعة جديدة من الفوضى (بعد انهيار النظام) فإن القرار الأكثر عقلانية والأكثر إنسانية يقوم على تسهيل التعاون والتواصل بين جميع الخصوم بما في ذلك الجيش السوري والقيادة السورية.

لكن في واشنطن هناك خمسة اعتراضات ضد تحسين العلاقات مع سورية:

  • سورية لا تؤثر على شىء، وهي صغيرة جداً بالنسبة لأميركا، لدينا مشاكل أكبر للإهتمام بها.
  • أريقت الكثير من الدماء من قبل النظام، نحن نرفض التعامل مع مجرمي الحرب.
  • تحتاج الغالبية السنية لاستعادة بلدها. وعلى الأسد والعلويين أن يتخلوا عن السلطة.
  • النظام لديه الكثير من الأعداء وليس له حلفاء في واشنطن، وقلنا إن على الأسد أن يذهب.
  • سورية حليف لإيران، وهذا يتعارض مع المصالح والرغبات الأمريكية والإسرائيلية.

1- سورية ليست مهمة:

لقد ناقشت هذه النقطة بالتفصيل خلال هذه المقالة الطويلة. صحيح أن أهمية سورية ليست دائماً واضحة، ولكن هناك أدلة كافية على أن زعزعة استقرار سورية تؤدي دائما إلى زعزعة استقرار أجزاء أخرى كثيرة من الشرق الأوسط (راجعوا كل سنوات محاولات تغيير النظام: 2011/2014 … و2003-2008 ، 1980-1988).

وعلى العكس من ذلك، فإن تحسّن العلاقات الأمريكية مع سورية له تأثير مهدئ على المنطقة بأسرها (خلال عقد التسعينيات، 2008- 2010، 1973-1976). سورية هي دائرة وسط الشرق الأوسط والنظام السوري هو الشرطي الكبير في السن وصاحب الخبرة الذي يعرف كيفية تقليل الاختناقات المرورية في تلك الدائرة.

2- مسؤولية النظام عن إراقة الدماء:

الجميع مسؤول، بدءاً من القيادة في دمشق … ولكن كل من كان وراء مشروع تغيير النظام يتحمل أيضاً مسؤولية كبيرة، كل من دعا لتسليح الثوار، أو لعدم الانخراط في الحوار، وأي شخص ذهب إلى مجلس الامن في محاولة لتمرير قرار تحت الفصل السابع يسمح لحلف شمال الأطلسي بقصف سورية، وأي شخص عمل على إضعاف شعبية الأسد واحتاج لسفك الدماء والفوضى لتحقيق ذلك، وأي شخص استخدم امبراطورتيه الإعلامية الهائلة لبث الغضب والكراهية والانقسام الطائفي في سورية، وكل خبير أو ناشط على موقع تويتر عمل بلا كلل للضغط على الرئيس أوباما لقصف سورية أو لإرسال المزيد من الأسلحة إلى المتمردين المعتدلين.

بالإضافة إلى القيادة السورية وحلفائها فان الولايات المتحدة وجميع حلفائها مسؤولون تماماً، وذلك على مستوى الحكومة والإعلام، وتنطبق الحجة الأخلاقية على الجميع، أو لا أحد.. فمن الأفضل أن ننسى الماضي، لأنه لن يكون من الممكن معاقبة كل من ساهم في سفك الدماء على طريقته.

في الحرب العالمية الثانية قرر الحلفاء الذهاب الى الحرب عندما واجهوا أيديولوجية خطيرة، وقتل خلالها ستون مليون شخص. هناك دائماً وسيلة لتبرير قرارات استخدام القوة، ووفقاً لمصدر موثوق وفي نهاية محادثة خاصة  جرت في آذار عام 2011 قال الرئيس الأسد “بشكل أساسي يريدون مني أن أسلّم سورية تدريجياً إلى جماعة الإخوان، وسيكون هذا الصراع طويلاً وصعباً”. بما أن الرئيس الأسد كان القائد الوحيد في الشرق الأوسط الذي حذر في عامي 2002 و 2003 من خطط إدارة بوش لغزو العراق (والتي أدت إلى  سقوط مئات الآلاف من الضحايا) … وبما أن معظم أصدقاء سورية أدركوا الآن خطأهم المتمثل بتعزيز المشروع الإقليمي لرئيس الوزراء التركي أردوغان المهووس بالعظمة (الهيمنة على العالم العربي من خلال حلفائه الإخوان المسلمين)، فإن الحجة الأخلاقية ضد الأسد تستحق دراسة جادة وإعادة النظر.

هل كان المشروع النازي أكثر خطورة من الإخوان والوهابية وأحلام أردوغان؟ بالإضافة إلى تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة …الخ  من المشاريع؟ هل كان أكثر خطورة بمرتين أو بعشر مرات؟ هل هو أكثر خطورة ب 300 مرة؟ لأن عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية كان أعلى ب300 مرة منه في سورية.

إن الاستخدام الانتقائي للحجة الأخلاقية لمقاطعة صناع قرار محددين لأنهم قرروا استخدام القوة، هو أقرب إلى السياسة والدعاية منه إلى العدالة، صناع القرار وقادة الجيش يعملون وفق مجموعة مختلفة من القيم الأخلاقية عن تلك التي تنطبق على المستوى الشخصي. الرئيس كلينتون، مثلا،  فرض عقوبات على العراق في التسعينيات قتلت مليون مدني بما في ذلك نصف مليون طفل.

( ولنعُد هنا إلى قول وزيرة الخارجية الأميركية على شبكة “سي إن إن” أن ” الأمر كان يستحق هذا الثمن”.. هل تساءل أحد عن ماهية هذا الأمر الذي استحق إزهاق أرواح مليون عراقي؟).

فإذاً من الإنصاف عدم استخدام الحجة الأخلاقية لتعقيد الجهود الرامية لإنهاء الحرب السورية حتى يُمنح جميع الأطراف فرصة عادلة لشرح أسبابهم لاستخدام القوة.

رقم آخر يجب أن نوليه الاهتمام، وهو أعداد القتلى الذين سقطوا من الجانب الموالي للحكومة (الجيش والأمن والميليشيات غير النظامية) … هي خسائر مماثلة في حجمها للخسائر في صفوف المتمردين.

لقد واجه حلفاء الربيع العربي الحكومة السورية بحوالي 150 ألفاً من المتمردين.. لذلك يجب أن لا نتفاجأ بالنتائج. استخدمت الحكومة القوة المفرطة فقط حتى تموز 2011 عندما أطلق الحلفاء ” الجيش السوري الحر” المتمرد.. ومنذ ذلك الحين ينطبق مبدأ “احتكار الجهات الرسمية لحق استخدام العنف” في الدول الحديثة.

وبالعودة إلى معدل القتل، فإن نسبة واحد إلى واحد هي نسبة بعيدة عن نسبة القتل التي نفذتها إسرائيل في غزة ولبنان أو نسبة القتل التي نفذتها أميركا في العراق أو في الحرب العالمية الثانية … ( تلك النسب تراوحت ما بين 100 إلى 1 و 1000 إلى 1). “يجب أن يكون التناسب هو المؤشر الحاسم في الحروب”.

مرة أخرى، وبغض النظر عن أي تبرير منطقي أو استراتيجي محتمل، فإن النظام لا يزال مسؤولاً جزئياً، لو كان هذا النظام يمتلك خبرة أكبر في التعامل مع الاحتجاجات الأولى، لكان هناك غضب أقل وإراقة الدماء أقل أيضاً، ولكن الكلمة هنا هي /أقل/، فحتى لو فعل النظام كل شيء وبشكل صحيح فإن حلف الربيع العربي كان قد قرر تغيير سورية … بأي وسيلة.

3- الأغلبية السنيّة يجب أن تحكم… الأقلية العلوية تتحكم في كل شيء:

الأقليات الدينية في سورية تشكل ما يقدر بنحو 25 بالمئة من تعداد السكان، والأقليات بما في ذلك الأكراد هي 35 بالمئة، وقيل لنا من قبل العديد من  المهتمين الأميركيين والأوروبيين أن كون الأقليات حكمت في سورية على مدى السنوات ال50 الماضية هو في حد ذاته مبرر مشروع لمواصلة القتال حتى تتمكن الأغلبية السنية من استعادة السلطة.

قارن ذلك بالوضع في الولايات المتحدة :

بعد عشرات الانتخابات الديمقراطية (على مدى السنوات 225 الماضية) ما يقرب من نصف رؤساء الولايات المتحدة كانت أسقفية Episcopalian  أو مشيخية Presbytarian، على الرغم من أن تلك الأقليات التي سيطرت على السياسة الأمريكية تشكل فقط 4 مليون من أصل 313 مليون (عدد سكان الولايات المتحدة) أي ما يقرب من 1.2 بالمئة مجتمعة. وهذا حدث على مدى 225 عاماً.

من ناحية أخرى الكاثوليك (أكبر جماعة دينية في أمريكا) حصلت فقط على  رئيس واحد و تم اغتياله (جون كنيدي) … هل يعني هذا أن “الثورة الكاثوليكية” يجب أن تكون على الطريق، وهل يجب علينا جميعا أن ندعم ذلك بقوة مثلما يفعل الأميركان في سورية؟

وهل ينبغي على الامريكيين من غير اليهود في الولايات المتحدة الذين يشكلون اغلبية 97  بالمئة الشكوى من القوة الاستثنائية للأقلية التي يشكلها اليهود الأمريكيون والتي تقدر ب 3 بالمئة والمنتشرون في كل مكان في هوليوود وفي وسائل الاعلام وفي الاقتصاد وفي وول ستريت وفي نظام العدالة وحتى الأكاديمية؟

لا لم يفعلوا ذلك، في الواقع وفقاً لاستطلاع أجراه مؤخراً معهد “بيو” للأبحاث فإن اليهود يعتبرون الجماعة الدينية الأكثر شعبية في الولايات المتحدة.

على مدى السنوات ال 50 الماضية ربما نال تحالف الأقليات مع السنة الليبراليون وسنة الأرياف السورية أكثر من نصيبه في السلطة … ولكن هل يمكن اعتبار ذلك كارثة تستحق الإستمرار بتدمير سورية؟ الم تسيطر “الأغلبية السنية” في دمشق وحلب وحمص على سورية (سياسيا وإقتصاديا) منذ مئات الأعوام وهمشت كليا أهل الريف؟

السنة في سورية لا يزالون يسيطرون على معظم الاقتصاد وهم موجودون بأعداد كبيرة في الجيش ويشكلون الغالبية العظمى من الوزراء أو أعضاء البرلمان، وبغض النظر فإن النظام منح الإسلاميين هامشاً كبيراً للتحرك داخل سورية. ولنستمع إلى شهادات من قبل اثنين من الشخصيات الإسلامية البارزة: القرضاوي المقيم في قطر قال “الشعب السوري ينظر  للأسد على أنه سنّي” … في حين قال العريفي (مقره في السعودية) لمعجبيه في أحد مساجد حلب أن الحكومة السورية أكثر تساهلاً معهم، أي الاسلاميين، من أي حكومة عربية أخرى ويجب أن يشعروا بالامتنان.

صحيح أن العلويين يلعبون دوراً أكبر من نسبتهم في الأمن الوطني أو في الجيش.. ولكن إذا نظرنا إلى الجيش الأمريكي فإن اعداد الأمريكيين من أصل أفريقي  في الجيش هي ضعف نسبتهم بين سكان الولايات المتحدة، هل يجب أن يقوم الأميركيون البيض بتقديم شكوى؟.

يوجد هناك العديد من الشكاوي المشروعة ضد قوات الأمن السورية أو ضد العديد من ضباط الجيش الذين يستغلون سلطتهم للاستفادة من الفساد. يجب أن يدرك النظام السوري الحاجة للاستماع والتصرف إزاء أي شكوى مشروعة. سورية بحاجة للمساءلة والعدالة التي من شأنها ان تمنع أي شخص ( سواء كان من الأقليات أو الأكثرية) من إساءة استخدام السلطة.

إن القيادة السورية بحاجة الى التفكير جدياً بتسليم جزء أساسي من السلطة إلى رئيس وزراء قوي ومنتخب بشكل ديمقراطي (على الأرجح سوف يكون سنيّاً). لقد كان النظام على قدر عال من المهارة والنضج في سياسته الخارجية أو الدفاع الوطني( ويرجح أن النسبة الأكبر من السوريون تفضل أن يبقى مسيطراً في هذين المجالين)، لكنه كان بعيداً عن النجاح في أغلب سياساته الداخلية وقد حان الوقت للتنازل عن هذه الصلاحيات لقيادة يختارها الشعب السوري.

4- النظام لديه أعداء كثيرون في واشنطن:

صحيح أن واشنطن (صحافة وصانعي القرار) مليئة بكارهي النظام، تماما كما أكد الكتاب الجديد حول العلاقات السورية الفرنسية الذي كتبه الصحفي الفرنسي /جورج مالبرونو/  والذي خلص إلى نتيجة مفادها ان القرار المتعلق بسورية الذي يتخذه القادة الفرنسيون هو عادة طفولي ويتعلق بتصفية الحسابات، ومن بين هؤلاء القادة الرؤساء السابقون شيراك وساركوزي إضافة الى وزير الخارجية الفرنسي السابق آلان جوبيه.

لكن الولايات المتحدة تعد قوة عظمى لديها مسؤوليات جدية اليوم … وإذا كان دينيس روس وديك تشيني وستيفن هيدمان وفريد هوف والسيناتور ماكين يتوقون للانتصار على النظام السوري فإن الرئيس باراك أوباما ليس لديه حاجة عاطفية لمثل هذا الانتصار كما ان الولايات المتحدة ليست بحاجة لتسجيل نقاط على مستوى “الفخر الوطني” في سورية الصغيرة فأمريكا تحصل على هذا كل يوم في مجال العلوم أو الفنون.

لقد كان الرئيس الاسد يتجنب باستمرار التصريحات الصدامية ضد الولايات المتحدة، فرسالته فيما يتعلق بهذه الفكرة: الولايات المتحدة ترتكب خطأ في بلادنا وسننتظر الى أن تدرك يوماً ما خطأها.

وعند مقارنة لهجته مع صدام حسين او معمر القذافي على سبيل المثال نجد أن “الفخر الوطني” في سورية هو ببساطة استقلالية القرار وليس تسجيل النقاط: سورية كانت محقة وحكيمة بينما الغرب وحلفاؤه كانوا على خطأ لعقود.

أولئك في دول الغرب العظمى الذين لديهم حاجة لإذلال الدول الصغيرة يجب أن يبحثوا عن طرق علاج نفسي بدلاً من الإصغاء لهم على أنهم “خبراء”.

5- العلاقات (التحالف) مع إيران:

حاولت سورية دائماً تحت قيادة الأسد الابن والأسد الأب أن توازن علاقاتها الدولية والاقليمية، فعندما كان الاتحاد السوفييتي منشغلاً بتزويد سورية بمليارات الدولارات من الأسلحة المجانية كان الرئيس الأسد يجتمع مع الرئيس نيكسون وهنري كيسنجر في محاولة لبناء أفضل علاقات ممكنة مع الولايات المتحدة، وعندما دعمت إيران سورية اقتصادياً ضد المقاطعة الأمريكية والسعودية  بين /2003 – 2011 / كانت سورية تعمل على إقامة علاقات مع تركيا وقطر تحقق توازناً في العلاقات مع ايران .

كما كانت سورية تقف دائماً إلى جانب السعودية، واتخذت مواقف مخيبة للآمال بالنسبة لايران مثل:

دعمت سورية في الإنتخابات العراقية عام 2010 مرشح السعودية المعتدل اياد علاوي الذي كان يتنافس مع مرشح إيران المالكي.

في عام 2009 أعلنت سورية دعمها للسعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن الذين تدعمهم إيران .

في عام 2011 صوتت سورية لإضفاء الشرعية على وجود الجيش السعودي في البحرين، الأمر الذي خيّب آمال إيران مجدداً.

وفي عام 2010 كانت تركيا تعمل جاهدة من أجل إقامة علاقات خاصة مع جيرانها، وسورية كانت الأكثر وزناً وأهمية بين دول المنطقة، حيث قال وزير الخارجية التركية أحمد داوود اوغلو: “نعتقد أن العلاقات السورية- التركية هي التي ستغيّر مستقبل المنطقة”. (بالتأكيد لم يكن أوغلو ليقول ذلك لو أن سورية تابعة فعلاً لإيران).

بحلول عام 2010 فتحت سورية حدودها مع تركيا ووقعت اتفاقيات اقتصادية جعلت المنتجين الاتراك مفضلين على حساب السوريين ما أدى الى افلاس الكثير من الصناعيين في حلب، كما تم تسمية أربعة شوارع رئيسية في حلب بأسماء سلاطين عثمانيين ( بالرغم أنهم مكروهين من قبل غالبية السوريين)، كما أغرقت المسلسلات التلفزيونية الرومانسية التركية وليس الايرانية الأسواق السورية، وتم نشر أخبار وكالة الانباء السورية /سانا/ بالعربية والانكليزية والتركية.

الآن ومع إبداء ملايين السوريين المؤيدين للثورة مشاعر سلبية تجاه ايران فإنه من المنطقي والمتوقع أن تقوم القيادة السورية بفعل شيء يتلاءم مع أولوياتهم أو مخاوفهم، لكن ما كان يزعج الولايات المتحدة دائماً هو ليس أن سورية دولة تابعة لايران (وهي بالتأكيد ليست كذلك) … فالمشكلة هي أن الولايات المتحدة تريد سورية دولة تابعة للسعودية والولايات المتحدة وربما يمكن للولايات المتحدة أن تعيد التفكير بمعنى الديمقراطية خارج حدودها والسماح لسورية بالتمتع بعلاقات ممتازة مع الولايات المتحدة من دون إجبارها على تخفيف علاقاتها مع ايران وروسيا. وبالمقارنة فإن إيران وروسيا لم تجبرا سورية في الماضي على التخلي عن محاولاتها لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة.

ولننظر هنا إلى الطريقة التي تعامل بها الشرق مع سورية ونقارنها بالطريقة التي قامت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها بمقاطعة سورية والضغط عليها، بل وبدعم الإرهاب وعدم الاستقرار فيها.

ليس من الخطأ أن تستمر الولايات المتحدة في سعيها لتحقيق مصالحها الوطنية، لكن تسويق القيم الاخلاقية الأمريكية يجب ألا يتشابه مع الطريقة المقززة والمتعصبة التي ينتهجها المتطرفون الدينيون.. فالولايات المتحدة يمكن أن تقود بشكل جيد عندما تفعل ذلك من دون استخدام العنف إلا كخيار أخير، وعندما تتصرف كقاض عادل وتحارب الطائفية وتتحمل المسؤولية عبر قول الحقيقة فقط ولا شيء غيرها… وعندما تحترم أولئك الذين قد يخالفونها أحيانا.



Comments (0)


There are no comments for this post so far.

Post a comment