العدالة والاستبداد وإصلاح القضاء وضمان استقلاليته

منذ مراحل ما قبل الأزمة كانت معادلة الاستقرار في سورية قائمة على توازن يظهر في التحليلات السياسية يجمع ما بين حالة الأمان وثبات السلطة السياسية، وداخل هذا التوازن تم إسقاط الكثير من التفاصيل التي تعتبر “الضمان” لاستمرار الاستقرار، فالشعور بالظلم عبر عن نفسه بشكل واضح خلال الأزمة الحالية، وظهر مطلب “العدل” بشكل قوي سواء في خطاب المعارضة، أو حتى في الحديث عن الإصلاحات السياسية.

عملياً فإن بعض أطراف المعارضة ترى أن الفاسدين أقاموا منظومة علاقات ضمن الدولة تحميهم وتؤمن مصالحهم، وتعيق المتضررين من استرداد حقوقهم، مما أفقد المواطن الثقة في الدولة بسبب عدم قدرته على تحصيل حقوقه إلا بالرجوع إلى منظومة الفساد، وهذا الشعور بالظلم كان عنصرا حاسما في الاحتجاجات والاضطرابات خلال الأحداث السورية حسب رأي البعض.

لكن غياب العدالة والشعور بالظلم لم يكن مسؤولية السلطة السياسية فقط حسب رأي شريحة أخرى من السوريين، فالسلطة السياسية تتشارك المسؤولية مع “نظام اجتماعي” متشابك مع “النظام السياسي”

ورغم أن لوم الحكومة حول غياب العدل أمر منطقي، لكن لا يكفي لانه تبرز في نفس الوقت ضرورة حماية الافراد وحقوق الأقليات ضد قمع الأغلبية (الدينية أو العرقية) من أجل التغلب على المشاعر السائدة من غياب العدالة.

بالتأكيد هناك ضرورة لرؤية طويلة الأمد ومتعددة الجوانب لقضايا العدالة، ولكن هناك أولوية لقضايا العدالة الانتقالية وإلا انتهينا إلى عدالة المنتصر التي بدأت مماراساتها العشوائية تتجلى اليوم. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أهمية التركيزعلى مفهوم دولة القانون القائم على مبدأ فصل السلطات الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية بالإضافة إلى حماية حقوق المواطنين وذلك تحت سقف الدولة المدنية التي تحكمها القوانين بموجب الدستور.

وفي مسألة العداله فإن الاتجاه لدى المختصين يسعى لتوضيح نقطتين أساسيتين.

الحقوق:

هناك خلط ما بين الخدمات والحقوق، فالكثير من المعاملات ما بين المواطن ودوائر الحكومة هي في جوهرها ليست من حقوق الإنسان، لأنها تصنف من قبيل “الامتيازات”، ويجب أن تعطى للأشخاص الذين يستحقونها (مثل رخص القيادة وإجازات الاستيراد وغيرها)، وينبغي تنظيم وتطوير إدارة عملية الحصول على هذه الخدمات (العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم فعل ذلك) لتكون فعالة وسهلة. وضحايا الظلم في هذه المسائل هم ضحية لأنظمة غير فعالة تعاني من خلل وظيفي في القوانين الحكومية والإجراءات. وهذه الظروف الرهيبة تولد الفساد، المحسوبية، والمحاباة في جميع الهيئات الحكومية والقطاعات.

العدالة:

بالإضافة إلى تحقيق مبدأ فصل سلطات الدولة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية) ، ترتكز العدالة على حسن الممارسة والتنفيذ لمهام تلك السلطات. وتساهم القرارات القضائية الصادرة عن هيئة قضائية مستقلة في تكريس إحقاق العدل، وفي هذا المضمار يعتبر استقلال القضاء عنصراً أساسياً في تحقيق الديمقراطيات.

لكنه مهما كان النظام القضائي مستقل، يجب أن يكون هناك قدرة على تطبيق القانون بشكل فعال وقادر على خلق شعور بالعدالة الاجتماعية عند كافة المواطنين.

في سورية تبدو مسألة تطبيق العدالة أمراً مركباً لا يرتبط فقط بالهيئات القضائية، فحتى لو كان القضاة مستقلون وتم استخدام السلطة التقديرية القضائية في إقامة العدل، لكن المسألة تظهر في جعل القانون نافذا، فتنفيذ القوانين غالبا ما يخضع لتأثير “مراكز القوى” في الحكومة والمجتمع، مما يفقد القضاء فاعليته. من هنا فلا يكفي تثبيت استقلالية القضاء بل أيضا البحث عن الوسائل الكفيلة بتطبيق القانون وهو مسؤولية السلطة التنفيذية.

3
1
Thank you for your feedback

تعليقات

  1. Naim Nazha

    Let Syria have two kinds of judges, local judges and these can be elected by the people in their county from the lawyers that want to run and state judges who are picked by the president and approved by the parliament, they need to follow the law and they are supported in what they do, local judges can be challenged to higher courts, the judges just need to have back bone and stand their ground.

شارك برأيك

يسرنا قراءة إضافاتكم، لكن مع التنويه أن النشر على الموقع سيقتصر على المشاركات البناءة و النوعية، و لا نضمن أن يتم إدراج كل المشاركات