الأمن والعنف

الحاجة إلى الأمن هي أهم الحاجات الإنسانية بعد الحاجات الفيزيولوجية، من هنا يحتل الهاجس الأمني مساحة واسعة في هموم المواطن السوري هذه الأيام.

الجيل السوري الحالي عاش فترة طويلة من الاستقرار وهي كأي حالة اجتماعية أصبحت ثقافة (ثقافة المجتمع المستقر)، وفي جو ثقافة الاستقرار تنشأ ثقافة الطموحات الاجتماعية والفردية للنمو والتطور.

ثم أتت حوادث العنف المتبادل لتقوض هذا الاستقرار لتحل محله الفوضى الأمنية التي تمثلت بعدة مظاهر منها:

  • الحرب المتبادلة وما ينجم عنها من عنف بين طرفي النزاع قد يبدو عشوائياً في الكثير من الحالات وبجميع أنواع الأسلحة بالإضافة للتفجيرات الإرهابية مما أدى لقتل آلاف المدنيين وتدمير أو حرق ممتلكاتهم.
  • الفراغ الأمني واهتزاز هيبة الدولة فتح الباب أمام ثقافة العنف لتتحول إلى ظاهرة مجتمعية فانتشرت حوادث القتل والسرقة، والخطف وطلب الفدية والأتاوات.
  • التدمير الكلي أو الجزئي للعديد من المعامل والمستودعات والمحاصيل والبنى التحتية وتأثر حركة انتقال السلع والتبادل التجاري أدى إلى نقص في الكثير من المواد الضرورية والأدوية والطاقة، حتى البيئة والآثار التي تمثل التراث الحضاري للمواطن السوري طالها الدمار والسرقة.
  • كان للإعلام دور سلبي كبير في بث الرعب في صفوف الناس من كبيرهم إلى صغيرهم.

كل العوامل السابقة أدت إلى شلل العديد من القطاعات جزئياً أو كلياً ومنها قطاع التعليم فبعض مناطق الجامعات والمدارس لم تعد آمنة وبعضها الآخر تحول لمراكز للنازحين كما أن خوف الناس في بعض المناطق جعلهم يحجمون عن إرسال أبنائهم للمدراس.

بالتالي هناك خوف مباشر لدى المواطن السوري على سلامة النفس وأفراد الأسرة، وعلى سلامة المنزل والممتلكات، و على سلامة المصالح الاقتصادية، مما سبب حالة من الرعب اليومي وقلق من مستقبل غير واضح المعالم … حتى بالأحرى من غد غير واضح انعكست على تصرفات المواطن وسلوكه وعلى عمله … مما أدى الى تراجع في سلوكيّاته عامة …ومن هنا يزداد الوضع الاجتماعي والاقتصادي تعقيدا.

الوضع الأمني كان سبباً مباشراً للنزوح والهجرة، ومنها هجرة الكفاءات ورؤوس الأموال والاستثمارات.

هذه التجربة التي يمر بها السوريون دفعت الى الحنين الى أيام الاستقرار والى ادراك أهميته، وسلطت الضوء بشدة على أهمية الحالة الأمنية وانضباط المجتمع والدولة على حد سواء لتثبيت حالة الاستقرار.

إن التغيير السياسي الصحي والتطور الاقتصادي والاجتماعي لا يتوفر الا في جو استقرار … فغياب الاستقرار الأمني يعني غياب القدرة على التخطيط والحسابات المستقبلية على كل المستويات، بسببه يحدث انكماش في جميع المجالات ولا يقدر أي تغيير سياسي اصلاح ذلك الضرر مهما كان مثاليا الا بعد مرور فترة طويلة هي في النهاية من عمر تقدم البلد نحو أي انجاز.

بقدر أهمية الموضوع الأمني بقدر صعوبة حله، فرغم الانتقال السريع نسبياً للسلطة في بعض الدول العربية بعد الحراك الحاصل فيها مازالت حتى اليوم تعاني من غياب الاستقرار السياسي والاضطراب الأمني والعنف المجتمعي … من سيطرة الميليشيات المسلحة إلى عمليات انتقام بين الفرقاء إلى ارتفاع معدل الجريمة المنظمة والعنف السياسي لتصل إلى حد المذابح الجماعية … ، وفي التاريخ الحديث والقديم أمثلة أعنف فالفرنسيون مثلاً قدموا أكثر من مليون ضحية حتى استقرت الثورة الفرنسية.

للعنف الذي يحصل أسباب كثيرة منها سياسية وتاريخية ومنها طائفية ومنها ما يتعلق ببنية وتكوين المجتمع ومنها ما يتعلق بالتدخل الخارجي أو تواجد مجموعات مسلحة متطرفة غير سورية …. لذلك فالحلول هي إما قصيرة الأمد سريعة أو طويلة الأمد.

يأتي الحل السياسي في مقدمة الحلول المستعجلة وبه ينتهي مبرر الكثير من الأعمال العنفية، فكلما تقدم العمل السياسي كلما تراجع العنف المتبادل.

ورغم إشكالية موضوع الأجهزة الأمنية فوجودها (بغض النظر عن شكله الحالي) تحت قيادات واضحة ضروري جداً لضبط الفلتان الأمني المتزايد وإعادة هيبة الدولة وسلطة القانون، ومحاسبة المخطئين بنزاهة، والقضاء على الإرهاب.

ويأتي الدور التوعوي لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات الدينية والإعلامية ليعمل على المدى الأبعد، ثم يأتي تحقيق العدالة ليخفف من حالات الاحتقان والانتقام.

2
2
Thank you for your feedback

تعليقات

  1. علي سليمان

    فليتقدم العمل السياسي , الحل الأمني ضرورة قصوى للمسلحين المجرمين , و العمل السياسي المرافق هو لتطمين الناس أن كل القوى في سورية بما فيهم الموالي تغيريون بمعنى التغيير الديمقراطي السلمي نحو سورية ديمقراطية مدنية لا إقصاء فيها لأحدد و هذا التطمين يجب أن يصدر عن رأس الدولة و مباشرة تطبيقه لكي تطمئن الناس اللذين لا يروا التغيير إلا بالعنف فعندما يظهر النظام أن لا رجعة الى المربع الأول أن لا إقصاء لأحد . برأيي سيكون حينها الحل الأمني تجاه المسلحين المجرمين ناجحاً و إلا هكذا (كمن يصب الزيت على النار)

  2. محمود حسينو

    نستطيع الاستدلال أين ستيتجه هذا الديالوغ بالنظر لاستخدام فريق الوسط مصطلحات بعثيّة بالية، الدولة التي تقصف المدنيين بالطائرات لا هيبة لها، وهي التي نزعت عنها الهيبة والشرعية عندما بدأت بقتل المدنيين.

  3. Naim Nazha

    You can solve this problem by having the local police secure safety for all, the local police of each town or city is made of members and residents of that city or town, while the national police will be resposible for crimes across county or Muhafaza lines, like kidnaping and narcotics and terror, the intelegence is taken care of by another agency and has no rule in Syria and against Syrians eccept if they are involved in espionage,

شارك برأيك

يسرنا قراءة إضافاتكم، لكن مع التنويه أن النشر على الموقع سيقتصر على المشاركات البناءة و النوعية، و لا نضمن أن يتم إدراج كل المشاركات